الغاء عقوبة الحبس والابقاء على القيود المفروضة على حرية التعبير جريمة في حق الحرية.. برأي عبد اللطيف الدعيج
زاوية الكتابكتب مارس 24, 2018, 11:59 م 888 مشاهدات 0
القبس
الحرية للتاجر.. والفقير له الله
عبد اللطيف الدعيج
يقال، والعهدة طبعاً على من قال، انه في بداية استخدام السيارات في الكويت كانت عقوبة الدهس هي دفع الدية، التي لم تكن تتعدى بضع روبيات. اي مبلغا رمزيا. وقتها حدث ان تسبب تاجر في وفاة طفل، فما كان منه الا ان لفه بقطعة قماش وارفق شيك الدية معه.
بعض اعضاء مجلس الامة شاطين عمرهم. وداخلهم الغرور لأنهم نجحوا مبدئيا في اقناع بقية النواب بإلغاء عقوبة الحبس المتعلقة بجرائم الرأي السياسية والاقتصادية. «عفارم عليكو يالله جايبين الديب من ديله» ومبروك رغم ان اقتراحكم لا يزال حبراً على ورق.
لكن وارجو ان يكون القارئ قد لاحظ ان الملغى في الاقتراح ليس جرائم الرأي اساسا، ولكن الملغى هو عقوبة الحبس فقط. وان الالغاء يقتصر على الجرائم السياسية والاقتصادية.. يعني بقية الجرائم او ما يمكن تسميته بالاجتماعية لا تزال عقوبة الحبس بشأنها سارية.. فقط جرائم السياسة والاقتصاد هي المعفاة من عقوبة الحبس.
الغاء عقوبة الحبس، والابقاء على القيود المفروضة على حرية التعبير جريمة في حق الحرية، وفي حق كل من لا يملك ان يدفع الغرامات الباهضة التي تتضمنها القوانين المقيدة للحريات. هذا يعني بشكل مباشر ان من يملك المال سينتقد وسوف يعبر عن رأيه، ولن يكلفه شيئا دفع بضعة دنانير. الفقير او من لا يملك دفع الغرامة سيكون مصيره السجن. يعني بالعربي الحرية للتجار او لصاحب المال، اما الفقير فله الله.
هذا رغم خطورته وسخافته ليس الأسوأ في مشروع الفطاحلة، الذين اتوا «بالديب من ديله». الاخطر هو استمرار إضفاء الحصانة والثبات والتقديس على الموروث وعلى الماضي وعلى العقائد والتقاليد البالية. يجب ان تلاحظ عزيزي القارئ ان السياسة والاقتصاد قضايا آنية وظرفية. فأنت تبث اشاعة لتتكسّب منها «الآن» سياسيا او ماليا اي اقتصاديا. اما القضايا الاجتماعية التي لا تزال محصنة، فهي قضايا بالية وموروث تليد وعقائد آمن البعض بألا تمس منذ قرون وعصور. وهي وليس غيرها ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن ما يتحكم بنا ويقيد حركتنا.
منذ زمن وأنا أردد، عندما يتعلق الأمر بحرية الرأي والتعبير، فإن مشكلتنا مع القوى الاجتماعية وليس مع السلطة. من يعتقدون انهم ينتصرون للديموقراطية والليبرالية عندنا، يتحالفون مع المجاميع الاجتماعية المتخلفة، ويتحدون معها لمواجهة بعض الاجراءات السلطوية السطحية والعابرة المقيدة لحرية الرأي. في حين هم يسبغون الشرعية والديمومة على عقائد ومواريث من يتحالفون معهم، ويعززون بالتالي هيمنتهم وسيطرتهم على الرأي العام برمته.
تعليقات