ستيفن هوكينغ.. العبقري الذي رحل - يكتب حسن فتحي
زاوية الكتابكتب مارس 22, 2018, 10:32 ص 891 مشاهدات 0
فى عام 1963، قال الأطباء لطالب فيزياء بريطانى شاب عمره 21 عاما إنه لن يعيش أكثر من عامين ونصف العام على الأكثر، لإصابته بداء عضال هو 'التصلب الجانبي الضموري ' ALS، الذى يؤدى إلى ضمور حركات كل عضلات الجسم حتى الموت.
لكن هذا المريض خيب توقعات العلماء؛ وعاش 55 عاما إضافية، ليغادر الحياة قبل أقل من 10 أيام عن عمر يناهز 72 عاما، إنه ستيفن هوكينج أشهر علماء الفيزياء فى القرن العشرين وحتى اليوم، قضى منها نحو 50 عاما، كأنه على حافة الموت، على كرسى متحرك، عاجزا عن الحركة والكلام، وبدل أن ينتظر نهايته، اختار أن يحل ويستكشف ألغاز هذا الكون، بمساعدة كرسيه الطبى، مع جهاز كمبيوتر صُنع خصيصا لمنحه صوتا اصطناعيا بعدما خسر صوته الحقيقى عام 1985، للتحدث بما يقول معتمدا على ما تبقى من عضلات وجهه.
نشأ هوكينج فى عائلة تحب العلم، فأمه خريجة أوكسفورد فى ثلاثينيات القرن العشرين، ووالده كان طبيبا، وكما يصفهم أحد أصدقاء العائلة المقربين، فقد كان آل هوكينج عائلة غريبة الأطوار، فكانوا يتناولون طعامهم بصمت، وكان كل فرد من هذه العائلة غارقا فى قراءة كتاب، أراد له والده أن يدرس الطب، إلا أنه، وفى عمر مبكر أبدى شغفا بالعلوم والسماء.
كان ذلك واضحا لوالدته، التى كانت تتمدد وأطفالها فى باحة المنزل الخلفية فى ليالى الصيف للنظر إلى النجوم. وتتذكر قائلة: 'لطالما كان لدى ستيفن فضول غريب، واستطعت أن أرى أن النجوم ستشدّه يوما'.
تخرج هوكينج فى الجامعة وانتقل بعدها إلى كامبريدج ليكمل دراساته العليا فى الفيزياء، كان شغفه بالفيزياء يسابق الموت، الذى سيأتى فجأة، كما أبلغه الأطباء.، إلا أن حدثين أساسيين أدخلا هوكينج إلى مصاف 'نجوم العلوم والفيزياء'، الحدث الأول عام 1974، وكان إنجازه الحقيقى الأول عندما أثبت نظريا أن الثقوب السوداء تصدر إشعاعا على عكس كل النظريات المطروحة آنذاك، وسمى هذا الإشعاع باسمه 'إشعاع هوكينج'.
أما الحدث الثانى، فكان عام 1988، وهو العام الذى عرف فيه العالم ستيفن هوكينج، كواحد من أبرز العلماء الذين عرفهم التاريخ. فى تلك السنة أصدر كتابه الأشهر A Brief History of Time 'تاريخ موجز للزمن'..
هذا الكتاب أول كتاب علمى يخاطب جمهوراً غير متخصص بالعلوم، ومن دون استخدام تعابير علمية متخصصة، بقى الكتاب - لمدة أربع سنوات ونصف - الكتاب الأكثر مبيعا، فبيعت منه أكثر من 10 ملايين نسخة أصلية، إلى جانب نحو 15 مليون نسخة مُقرصنة فى مختلف أنحاء العالم، وترجم إلى أكثر من 40 لغة، ومنها العربية؛ حيث ترجمه العالم المصرى الدكتور مصطفى فهمى.
الحديث عن إنجازات ستيفن هوكينج فى الفيزياء يحتاج إلى صفحات كثيرة، ومن السهل الوصول إليها عبر شبكة الإنترنت وغيرها من المراجع والمقالات، لكن مايهمنى فى هذا المقال، هو أن الرجل بعد وفاته تعرض لحملة 'عربية' شعواء على شبكات التواصل الاجتماعى، تزفه التعليقات فى غالبيتها إلى 'جهنم' منتقدة بشدة دعوات البعض له بالرحمة، لأنه كان مُلحدا.
لاجدال فى ذلك، ففى شهر سبتمبر عام 2010، عارض هوكينج الفكرة القائلة بخلق الله للكون فى كتابه التصميم العظيم. إذ يقول: 'بسبب وجود قانون مثل قانون الجاذبية، فسيخلق الكون نفسه من العدم وبإمكانه ذلك'، فمن كثرة ما رأى من المجرات البعيدة والضخمة بقوانينها الدقيقة المعجزة أراد أن يرى المُعجز الذى أوجد هذه المجرات، يعنى الخالق عز وجل، وهذا كان خطأه 'الإلحادى' القاتل؛ لأنه طبق قوانين المجرات على من خلق المجرات، والخالق لا ينطبق عليه القوانين التى أوجدها لمخلوقاته.
ولكن لمن اتهموا هوكينج بالإلحاد، نقول لهم إنما إلحاده على نفسه، وحسابه على الله، لكن لايمكننا تجاهل إنجازاته فى الفيزياء، فقد كتب سلسلةً قصصيةً روائيةً علميةً مصورة بديعة، تدور أحداثها فى إطار من الخيال العلمى وتبسيط العلوم، مكونة من خمسة كتب، جميعها تحت عنوان George’s Secret Key 'مفتاح جورج السرى للكون'، للدلالة على أنك لست فى حاجة إلى مفتاح سرى حقيقى لاستكشاف الكون، فهناك مفتاح يمكن لأى شخص أن يستخدمه، ويسمى الفيزياء، وتتضمن السلسلة معلومات عن النظام الشمسي، ومولد النجوم وموتها، وكذلك الثقوب السوداء، والأجرام السماوية بما فيها الكواكب، ومجرة درب التبانة، وغيرها الكثير.
وقد كتبها بهدف توجيه اهتمام الأطفال الصغار والكبار من غير المُتخصصين لعلم الفضاء والزمن والكون؛ لتشجيعهم وتحفيزهم للعلم، حيث شرح بها بعض النظريات العلمية المعقدة بطريقة أكثر وضوحًا وتبسيطًا، التى من المؤكد أنّها ستثير الخيال.
بل كان لهوكينج موقف مناصر للقضية الفلسطينية، ففى عام 2013، انضم إلى الأكاديميين والعلماء المقاطعين للاحتلال الإسرائيلي، فبعد تلقيه دعوى للمشاركة فى مؤتمر ينظمه وقتها شمعون بيريز، قبل الدعوة، ثم كتب رسالة أبلغ فيها بيريز بأنه غيّر رأيه، وأنه سيقاطع المؤتمر احتجاجاً على السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، وقد اعتبر قرار هوكينغ وقتها الانتصار الأقوى لحملة المقاطعة على الصعيد الأكاديمي.
والأجمل من ذلك كله، أن فى قصته عبرة وحافز لكل متعثر فى هذه الحياة، فالرجل رفض الخصوع للألم والظروف التى مر بها، وبسط للبشرية الكثير من علوم الفيزياء، والتى لم يقو عليها الكثير من الأصحاء.. فدعوه لخالقه، فأنتم لاتملكون صكوك الجنة أو النار، واستفيدوا من علمه وانظروا ماذا قدمتم أنتم للبشرية.
فقد عاش ولم يناقش أحد أى نظرية من نظرياته، ولكن حين مات ناقشنا عقيدته ومصيره، مع أننا مطالبون بالمسألة الأولى وليس الثانية..هو عالم كبير وكفى.
تعليقات