الحوار مع الخصم عبر الجزيرة

عربي و دولي

خطاب بن لادن و خطاب أوباما

1843 مشاهدات 0


ما اكبر  متاهة الثابت والمتحرك التي أدخلتنا فيها قناة الجزيرة في قطر هذا الشهر حتى استحقت لقب قناة التحولات الكبرى،وكل ذلك من خلال شريط فيديو . فحتى وقت قريب ومع إيران وسوريا وعراق صدام  صنفت الإدارة الأميركية قناة الجزيرة ضمن “محور الشر” بل إن الوثائق موخرا قد كشفت التخطيط الأميركي لقصف مكاتب الجزيرة في بغداد على الرغم من فقدانها لمندوبها طارق أيوب ومصورها رشيد الوالي وزج  توفيق الحاج  و تيسير علوني في غياهب السجن .
تعيش المنطقة في زمن التحولات الكبرى ومن يطعن بصحة هذه الخلاصة المبكرة ، فله ان ينظر مليا لما جرى في شهر مارس الجاري عبر قناة الجزيرة من خلال عرضها لشريط فيديو من زعيم القاعدة أوساما بن لادن في  14 مارس 2009 م ، و شريط فيديو آخر في 20مارس 2009م  للرئيس الأميركي باراك أوباما .

فمنذ ثمان سنوات وبن لادن يسلك دربا دقيقا وصعبا لإيصال أشرطته لقناة الجزيرة لتعود معها  المنطقة في كل مرة لدوامة التكفير وسفك الدماء. وفي شريطه الأخير يوجه زعيم القاعدة عوته إلى أنصاره في العراق للذهاب إلى فلسطين وفتح جبهة للقاعدة هناك. من جانب آخر أوضح الناطق باسم البيت الأبيض تومي فيتور إن  خطاب  للرئيس الأميركي  أوباما قد سلم لقناة الجزيرة . وفيه مبادرة أمريكية على شكل خطاب مسجل على شريط فيديو حيث وجه أوباما خطابه إلى قيادة وشعب إيران بمناسبة عيد النيروز، وكلمة النيروز تعني 'يوم جديد'  يتزامن مع بداية الربيع. ويشكل خطاب أوباما تنفيذاً لوعده الانتخابي بالدخول في حوار مع خصوم الولايات المتحدة.
وتجبرنا الموضوعية رغم أن الكويت وبقية دول الخليج العربي قد ذاقت الأمرين من عدم موضوعية قناة الجزيرة إلى القول بأن الثابت في المعادلة  ثلاثية الأطراف هي قناة الجزيرة بينما كانت الولايات المتحدة وبن لادن هما المتحرك فيها. 
ففي خطاب الرئيس الأميركي اوباما  نجد اعترافات ثلاثة تمثل للمراقبين تحولت متطرفة ، أولها  نجاح أدوات بن لادن الإعلامية وتقليد الأمريكان لها ،ثانيا نجاح قناة الجزيرة وتحول النظرة الأميركية حيالها ، وأخيرا نجاح إيران في إجبار واشنطن على الاعتراف بتسميتها بـ“الجمهورية الإسلامية'  .

في شريطي الجزيرة نخلص إلى نتيجة أن بن لادن قد أضاف حلقة إلى حلقات الصراع التاريخي القائم منذ سنوات مع المنطقة بإضافته لفلسطين إلى قائمة ميادين نشاط القاعدة .وعلى النقيض من ذلك فقد أعاد شريط الرئيس اوباما  حلقة مفقودة عمرها  30عاما  من حلقات التواصل الإيراني الأميركي . وفي كلا الحالتين نجد  قرار إستراتيجي كبيرا  من كلا الطرفين يستحق المراقبة وهما دخول القاعدة لفلسطين ، والاعتراف الأميركي بالجمهورية الإسلامية .
كما ان في الشريطين أيضا غياب للإسلام، فزعيم القاعدة  يرى أنه لا يوجد مرجعية إسلامية  في المنطقة على الإطلاق بعد تحليله لإحداث غزة . أما أوباما فينكص عن وعوده بتقديره لما يمثله الإسلام، من خلال تقديمه التهاني للشعب الايراني  في النيروز وهو ليس  عيدا إسلاميا  بدليل ان الصهيوني شيمون بريز هنأهم بنفس المناسبة .
كما نجد في الشريطين دعوة لتدبر الحال من مجريات الواقع الراهن فخطاب بن لادن الجديد يؤكد على المزج بين فقه الواقع وفقه الشريعة أي يكون هناك إلمام بالواقع المعاش وتحديات الواقع السياسي الجديد، ويرتب أولويات جديدة يجب أن ينطلق أنصاره  منها والتي لاحظها د. الشوبكي  من مركز الأهرام للدراسات السياسية . في نفس السياق يطالب أوباما القادة الإيرانيين، بتجاوز ما بين واشنطن وطهران من نزاع دام أكثر من ثلاثة عقود. وقال إن 'إدارتي مصممة على ممارسة دبلوماسية تعالج كافة المشاكل التي نواجهها، وعلى السعي لإقامة علاقات بناءة بين الولايات المتحدة وإيران والأسرة الدولية'، مصرا على ضرورة اخذ الواقع الراهن في الاعتبار حين قال 'في موسم البدايات الجديدة أود أن أتحدث بوضوح إلى القادة الإيرانيين'.
لقد تحولت قناة الجزيرة من لسان حال للخصم في الفقه الأميركي إلى أداة محايدة في زمن التحولات الكبرى ، وهو الزمن الذي نخشاه  حين نرى الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي يعلن انسحابه من سباق الانتخابات الرئاسية الإيرانية لصالح المرشح مير حسين موسوي، بحجة  إغلاق الباب أمام مخاوف من تعميق شقة الخلاف داخل صفوف التيار الإصلاحي وتفويت الفرصة أمام احتمال فوز الرئيس محمود أحمدي نجاد بولاية ثانية. وهو في الوقت نفسه فتح للأبواب أمام الاميركان و الاسرائليين الذين استغلوا عيد النيروز للتقرب من طهران ومغازلة الإصلاحيين ، حيث تضمن خطاب بيريز في تهنئته للإيرانيين بالنيروز انتقاد لموقف الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد من  الهولوكوست.معربا عن يقينه بان  تعود الصداقة الحميمة لتسود العلاقات بين إسرائيل وإيران في القريب العاجل. ولايقصد إلا عن طريق المعسكر الإصلاحي الذي سيقبل العروض الموضوعة أمامه على الطاولة ،وهي تحقيق الأهداف القومية الإيرانية الراهنة  والتي منها نجاح  مشروعها النووي، والاعتراف بأن الخليج العربي يقع ضمن مجالها الحيوي نظير ماتريده واشنطن وتل أبيب وهو الاعتراف بإسرائيل . فهل تأخر الوقت  علينا في دول مجلس التعاون لتهنئة إيران بعيد النيروز ؟

د. ظافر محمد العجمي - المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج

تعليقات

اكتب تعليقك