لماذا أصبحنا نحن نشكل خطرا على أنفسنا وعلى العالم الخارجي؟.. يتسائل عبد العزيز الكندري
زاوية الكتابكتب يناير 1, 2018, 11:56 م 1196 مشاهدات 0
الراي
ربيع الكلمات- بارعون في الفشل؟
عبد العزيز الكندري
تعلمنا من مخزوننا الثقافي القديم مقولة: «الصراحة راحة» وسأكون معكم صريحا في محاولة لبيان أسباب عجزنا وفشلنا، والأمر لايحتاج إلى مجاهر فاحصة وكاشفة لبيان الفشل وعلى كافة المستويات والأصعدة، ولماذا أصبحنا نحن نشكل خطرا على أنفسنا وعلى العالم الخارجي، هل المشكلة في التربية والتنشئة أو في المدرسة أو الرفقة والتيار؟ أو كل ماسبق!
في السير مواقف لاتكاد تحصر عن الحكم الرشيد وما نسميه اليوم بـ «الحوكمة» وهذا أحد هذه المواقف:
خرج عمر بن الخطاب وكان أمير المؤمنين، إلى السوق في أحد الأيام، فرأى إبلا سمانا تمتاز عن بقية الابل، التي في السوق. فقال ابل من هذه؟ قالوا: هذه ابل عبدالله بن عمر فانتفض عمر، وقال عبدالله بن عمر؟ ويحك يا ابن امير المؤمنين، وارسل في طلبه فورا، واقبل عبدالله حتى وقف بين يدي والده، وقال لابنه ما هذه الابل يا عبدالله؟
فأجاب عبدالله: انها ابل هزيلة اشتريتها بمالي وبعثت بها الى الحمى أي المرعى اتاجر فيها وابتغي ما يبتغي المسلمون، فقال عمر: ويقول الناس حين يرونها اسقوا ابل ابن أمير المؤمنين، وارعوا ابل ابن امير المؤمنين وهكذا تسمن ابلك ويربو ربحك يا ابن امير المؤمنين ثم قال له: يا عبدالله بن عمر، خذ رأس مالك الذي دفعته في هذه الابل واجعل الربح في بيت مال المسلمين.
وفِي أحد السباقات التي جرت في مصر كان يقيمه محمد بن عمرو بن العاص وكان والده والياً على مصر في زمن الخليفة عمر بن الخطاب، ففاز خَيل المصري القبطي على خَيل محمد بن عمرو بن العاص فغضب وضربه بالسوط، وهو يقول: خذها وأنا ابن الأكرمين. خذها وأنا ابن الأكرمين. فسافر القبطي إلى المدينة إلى الخليفة عمر بن الخطاب، وشكا المصري إلى الفاروق ما فعله ابن عمرو بن العاص فاستدعى عمْراً وابنه من مصر: وعندما قدما وشاهد الابن فإذا هو خلف أبيه فقال عمر: «أين المصري؟» فقال الرجل: هأنذا فقال عمر: «دونك الدرة اضرب ابن الأكرمين، وكررها ثلاثاً» فضرب المصري محمد بن عمرو بن العاص حتى أوجعه، ولم يكتف عمر بن الخطاب بهذا الحكم بل قال للرجل: «ضعها على صلعة عمرو بن العاص، فو الله ما ضربك إلا بفضل سلطان أبيه»: فقال المصري: يا أمير المؤمنين لقد ضربت من ضربني فقال عمر: «أما والله لو ضربته ما حلنا بينك وبينه» ثم التفت عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص وقال له: عبارته المشهورة «أيا عمرو! متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟» بعدها التفت إلى المصري وقال له وكأنه يطمئنه: «انصرف راشداً فإن رابك ريب فاكتب إليَّ».
والقصص في السير لاتكاد تنتهي عن العدالة والاحسان والورع، ولكن مع الأسف لاتكاد تجدها لدى المسلمين في هذا العصر، وإنما تجدها لدى الغرب أكثر... فسادوا وعاشوا بسلام ومجتمعاتهم صحية ولديهم وازع أخلاقي، ويقول المفكر الاسلامي محمد رشيد رضا صاحب تفسير المنار، مقولة تكتب بماء الذهب «فمن سار على طريق الترقي والسيادة، مراعياً سنن الله تعالى فيهما وصل إليهما، سواء كان مؤمناً أم كافراً، وإنَّ الدين هو الذي كان سبب سيادة المسلمين وسعادتهم، وإنَّ خسران تلك السيادة والسعادة إنما جاء من الانحراف عن هديه».
وكشفت دراسة أعدها الباحث البريطاني بول هوسفورد ونشرت في صحيفة «ذي جورنال»، أن ايرلندا هي البلد الأكثر تطبيقا لتعاليم القرآن الكريم على مستوى العالم، في حين لم تتضمن القائمة أيا من الدول العربية، وبحسب الدراسة، فقد احتلت ايرلندا المرتبة الأولى كأكثر الدول التي تطبق تعاليم الديانة الإسلامية، ثم الدنمارك، وبعدها السويد في المرتبة الثالثة، وشمل البحث 208 دول، غابت فيها الدول ذات الغالبية الإسلامية من السكان عن قائمة أفضل 25 بلدا تطبيقا للإسلام.
وفِي اسرائيل الشرطة الإسرائيلية قبل فترة تستجوب نتنياهو للمرة السادسة في قضايا فساد واشتبه المحققون في أن تشكل الهدايا التي تلقاها نتنياهو رشوة، تحقق الشرطة في تهم بأنه سعى إلى ضمان تغطية إيجابية لأدائه الحكومي مقابل المساعدة على إضعاف تأثير صحيفة «يديعوت أحرونوت» لصالح صحيفة «إسرائيل هيوم» المجانية الموالية لنتنياهو.
والأمثلة تطول في الغالب نتيجة ممارسة الحكم الرشيد والإتقان والاحسان، ويقدمون استقالاتهم لأمور نحن نراها بسيطة وقد تصل لـ12 دولارا كتعبئة وقود السيارة على حساب الوزارة ولكنها تؤدي لاستقالة الوزير لديهم بسبب ضمائرهم الحية.
مع كل أسف ظهرت لدينا في العالم العربي والإسلامي معان وتصرفات مغلوطة، وإباحة بل واستباحة بعض الحرمات، خصوصا في ما يتعلق بالمال فأصبحنا لانهتم بالحلال، والفرق بين الحقوق والواجبات وصرنا نتحدث دائماً عن الحق ونهمل الواجب الأهم، فقل الوازع من أناس كنّا نعتقد أنهم قدوات وعليهم سمات الصلاح في بعض الأحيان.
ومن نافلة القول والعرف والعادة أن من يعمل في شركة لايجوز له أن يتاجر في النشاط نفسه بسبب تضارب المصالح، أو لا تستطيع أن تؤسس شركة تعمل في نفس مجالك الحالي إلا إذا قدمت استقالتك... ولكن مع الأسف لانجد هذه الأخلاق. وصدق ستيفن كوفي، عندما قال: «إن 90 في المئة من فشل القادة سببه فشل في الأخلاق».
نفشل في إدارة أنفسنا عندما لانحترمها، نعيش على الوشاية بين الزملاء في العمل، نستمتع بنقل وتواتر الأخبار عن الموظفين للرؤساء ونعتقد أنهم لايعلمون ذلك، ننسب الأعمال لأنفسنا مع أننا عملنا مع فريق متكامل.
تعليقات