نعانى من استغلال الديمقراطية لهدم كل شيء، وتغليب مصالح الهويات الفئوية الخاصة على هوية الوطن ومن وثقافة الاستهزاء .. والوطن هو من يدفع الثمن..مقالة د. فارس الوقيان

زاوية الكتاب

كتب 564 مشاهدات 0





في انتظار غودو الكويتي
د. فارس مطر الوقيان
ينقل لنا أحد الرواة، ولا نعرف جده الروائي من هزله، أن إحدى الدول العربية الاشتراكية القريبة من الاتحاد السوفييتي السابق، استقدمت خبيرا شيوعيا موغلا في الإلحاد لتقييم أحوال مؤسساتها ومصانعها وحيوية اقتصادها. ولما أنهى جولاته المكوكية وحان وقت الاستفسار، سأله أحد مرافقيه العرب عن وجهة نظره حول ما شاهد أوتفحص، فرد الخبير الشيوعي الملحد: لقد آمنت بوجود الرب على ما لامسته من إهمال وتأخر وتسيب فى مؤسساتكم ولا يمكن استمرارها من دون عناية إلهية!!.
ماذا لو أتينا بخبير أجنبي وسياسي محنك وطلبنا منه فك خيوط التشابك للأحوال العامة في الكويت لمساعدتنا على اتخاذ قرارات حاسمة؟ ولاسيما اننا في هذا المناخ السياسي والشعبي الذي ينقسم فيه المسؤولون الرسميون والنواب والإعلاميون إلى فئتين: فئة مع وجود الدستور وأخرى مع تعليقه.. وهكذا هي الحال في جميع الملفات، مع قانون الإنقاذ الاقتصادي وضده، مع لجنة الإزالات وضدها، مع الداوكيميكال وضدها، مع إسقاط القروض وضده، مع ازدواجية الجنسية وضدها، مع سحب الجنسيات وضدها، مع تأبين مغنية وضده، مع زيارة الفالي وضدها، مع إشهار الأحزاب وضده، مع إقرار الكوادر وضده، مع الخصخصة وضدها... فماذا يمكن أن يقول الخبير؟ ألا يصل إلى النتيجة نفسها التي وصل إليها الخبير الشيوعي الملحد.؟ إنه من الصعوبة في مكان دوران عجلة التنمية بهذا الشكل دون وجود عناية إلهية قادرة على تسييرها...
في ضوء ما يرد في صحافتنا المحلية من تصريحات وأخرى مناقضة لها ومضادة في مختلف الملفات والشؤون الكويتية الصرفة، تصل الذات المفكرة إلى قناعة بأن انحدارا رهيبا يحدث لنا على مستوى الوعي والتفكير العقلاني، ويحصل أن يضع البعض أصبعه على صندوقة رأسه، للتأكد هذه المرة من وجود عقله قبل التيقن من سلامة هذا العقل. فالبعض لدينا مغرم بتصريحات ثملة تطاول الأشخاص والهويات الضيقة، وهذه الخصلة سمة العقول الضيقة الصغيرة، في حين إن العقول العملاقة منشغلة بالمفاهيم والقيم والنظريات. وأذكر أنه قبل سنتين، علق غالبية أعضاء البرلمان الكويتي كل أزماتنا وآلامنا ومظاهر فسادنا وتراجعنا في الدولة على شماعة شخصية محترمة بعينها، وفي خضم الحملات الانتخابية للعام 2006م ، ليس على المرشحين لضمان النجاح سوى الإشارة إلى قوة الدولة ورفاهية المجتمع وروعة التنمية في الوقت الذي تخرج به هذه الشخصية من السلطة وكرسي الوزارة!!.
وفي لحظة من لحظات التأمل في حديث أحدهم في هذا الإطار، تساءلت مع نفسي عن ماهية العقل الذي يرى في شخص واحد فقط لاغير كل منابع اختلالاتنا الوطنية، فباغتُّه فجأة بأسئلة متلاحقة مثل: ألا ترى مثلي أيضاً أن لفلان دورا متواطئا وخفيا في اتساع ثقب الأوزون الذي يهدد سلامة الكرة الأرضية ومأساة انقراض حيوان الباندا وذوبان جليد القطب الشمالي والحرب الأهلية في رواندا؟!
وفي لحظة دهشة كبرى منه، قلت له: لا تذهب بعيداً في خيالك وتفسّر دفاعي على أنه نوع من المصالح الخاصة، فأنا لم التق بالرجل إلا في مناسبتين عامتين، بل أردت توجيه صفعة مفاجئة لمنهجك في التحليل والتفكير الذي ينسجم مع رغبة عامة بدأت تجتاح الكويتيين في الآونة الأخيرة، وهي ضرورة وجود حائط للمبكى، أو كبش فداء حتى نسكب دموع أزمتنا العميقة حوله، فإذا كان هذه المرة فلانا فمن تراه سيكون في المرة القادمة؟
علينا أن نقولها هكذا بصراحة، إن أسباب انحدارنا الى هذه العقلية المستحوذة علينا اليوم هي في تعليق شماعة الأزمة على الأشخاص بدل الأفكار والبرامج، لذلك فإن تشكيل الحكومات وتغيير الوزراء لأكثر من مرة، لم يسهم في تقدم أوضاعنا، ولو قيد أنملة، بل على العكس تدهورت أوضاعنا وتعطلت عجلة التنمية بفضل جماعة الاستجوابات المتتالية كسيول الشتاء.
لذلك لا يمكن الخروج من هذا الاحتقان السياسي الشديد دون قناعة راسخة بأن التركيز على المفاهيم والقيم وتطويرها يوحد المواطنين ويقويهم، في حين التركيز على الأشخاص والهويات يمزقهم، وهو ما يحدث لنا مع الأسف في الكويت اليوم. وأن أكبر إشكالياتنا انطلقت في الوقت الذي أصبحت فيه مرجعية الدستور والقانون بقيمة لبان رخيص القيمة، وفي الوقت الذي توقف المواطن عن القيام بدوره الحيوي في تفعيل القوانين وحمايتها والرقابة عليها، وفي الوقت الذي تراجع فيه دور مؤسسات المجتمع المدني حتى أصبحت كالجثث الهامدة، ليس لها من مهمة سوى منح البريستيج الفارغ المصطنع لرؤسائها وأعضائها.
وفي الوقت الذي سادت فيه ثقافة استغلال الديمقراطية لهدم كل شيء، وتغلبت مصالح الهويات الفئوية الخاصة على هوية الوطن العامة، وثقافة الاستهزاء والأشياء والماديات على ثقافة الإنسان والمشاعر...فها نحن ندفع ثمن ما يحدث لنا من أزمات وآلام وإحباطات يومية.
إننا في حال انتظار، فمتى يهل علينا غودو ليخلصنا من كل المسيئين لمعاني الديمقراطية التي طالما ميزت بلدنا وستظل تميزه.. وبالعقل العلمي تحيا الدول، وتحفظ الأديان من التشوه والاستغلال؟.
أوان

تعليقات

اكتب تعليقك