تصور بعض الوزراء أن الهجوم المبكر على أي تلويح بالاستجواب البرلماني يساعده على تعبئة الرأي العام لمصلحته تصور خطأ..برأي خالد الطراح

زاوية الكتاب

كتب 638 مشاهدات 0

خالد الطراح

القبس

من الذاكرة-الجزع الوزاري!

خالد الطراح

 

«الجزع» كلمة تعني الهلع أو القلق وعدم الاطمئنان، وهي من الكلمات التي لا نتوقع من وزير استخدامها وهو يتحدث عن أدوات دستورية ورقابية وُضعت بالأصل لتفادي «الجزع».

إن المحافظة على الأموال العامة هي لب الهدف من مرسوم إنشاء ديوان المحاسبة، وكذلك من القوانين والرقابة المالية المسبقة واللاحقة، فالمهمة أصلاً تنحصر في ضبط المصروفات وضمان أن تكون صادرة بموجب القوانين سواء أكانت إدارية أم قانونية ومحاسبية أيضا، والتي من خلالها تتوافر البيانات للمؤسسة الدستورية لتعينها على ممارسة دوريها التشريعي والرقابي، والتصدي لأي تجاوز أو مخالفات في الإدارة والهدر للأموال العامة بوجه خاص من قبل الإدارة الحكومية.

هناك من الوزراء من يميل إلى استخدام بعض المفردات الهجومية، ربما لأنه يعتقد أن «أفضل دفاع هو الهجوم»، ويتفنن في اللجوء إلى البلاغة اللغوية من دون إدراك ما يمكن أن يسببه ذلك من وقوع في فخ المحظور السياسي والإعلامي وتشويه لما يسعى اليه هذا الوزير «الفصيح» من إيصاله من رسائل!

إن تصور بعض الوزراء أن الهجوم المبكر على أي تلويح بالاستجواب البرلماني قد يساعده على تعبئة الرأي العام لمصلحته ولو بالجزء اليسير تصور خطأ!

والوزير «القلق» -ولا أقول «الجزع»- يعتقد أن سلاح الإعلام والتصريحات الصحافية ستصب في مصلحته بينما حقيقة الأمر هي العكس، حيث إن توجيه حملة إعلامية بأهداف واضحة وواقعية وببيانات صحيحة باتجاه جمهور مستهدف تنجح بلا شك، لكن من الممكن أيضاً في حال عدم الاحتراف في التناول والمعالجة الإعلامية بالتوقيت المناسب والمضمون المبهم، أن تنقلب الحملة أو الرسالة الإعلامية ضد صاحبها، مما يؤكد مقولة «الإعلام سلاح ذو حدين»!

تاريخياً، شهدت الساحة السياسية وزراء مفوهين منهم شيوخ كالمرحوم الشيخ سعود الناصر، وآخرين كالمرحوم الدكتور أحمد الربعي، لكن رياح اللعبة السياسية والمقايضة جعلتهم ضحايا سواء في الساحة الانتخابية أو حتى في قاعة عبدالله السالم!

ومعروف أيضاً أن الحكومات المتعاقبة ضحت بأكثر من وزير فصيح، كما من المعروف أن هناك من النواب من خذلهم بعض زملائهم في استجوابات مستحقة، وهي وقائع لا تبعث على الاستغراب إطلاقاً لأن عالم السياسة مليء بالمفاجآت والصدمات!

أعود لكلمة «جزع».. هذه مفردة يفترض أن يستخدمها بعض السياسيين تأكيداً لاحترام الأدوات الدستورية والرقابة المالية، لأنه يجزع عليها وحريص عليها ويجب ألا تعني أنه غير مطمئن منها.

وهنا نخاطب صاحب كلمة «جزع» بالقول: إننا نجزع من أن كل هذه التصريحات العنترية جعجعة بلا طحين، فمثلاً نجزع من أن الخطة الإنمائية لن تنتج طحيناً يمكن أن نخبز منه تنمية مستدامة ومشاريع مجتمعية وإستراتيجية واضحة المعالم لكيفية تحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري إقليمي تحقيقاً للرؤية السامية للأمير حفظه الله ورعاه.

كما أننا نخشى أن ينتاب العاملون في محيط الحكومة الجزع من قرارات تتسم بالشخصانية أو التسرع أو لكون لا أثر لها على أرض الواقع!

إن الجزع كل الجزع أن نجد الوزير يجزع من تقييم عمله من سلطات دستورية، وأن يسعى إلى التهرب من المساءلة الدستورية بفصاحة الكلام ليترك انطباعاً جيداً عند الآخرين وبذلك يجزعون منه!

قال تعالى: «إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا، وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا»، وهذا هو التعريف الجامع المانع للجزع، لكن إذا كنا بصدد الفصاحة، فأُورد بيتاً من الشعر القديم عسى أن يعيننا وزير الجزع على فهمه:

ولست بميسم في الناس يلحى

على ما فاته وخم جزاع وأجزعه غيره.

القبس

تعليقات

اكتب تعليقك