هل نقبل بالزج السياسي للقضاء وتمرير محاكمات صورية من خلاله؟.. يتسائل محمد المقاطع
زاوية الكتابكتب يونيو 6, 2017, 12:14 ص 714 مشاهدات 0
القبس
الديوانية- إشكالية الدولة في الوطن العربي
محمد المقاطع
التيارات العربية السياسية معظمها خالية الوفاض تماماً، مثل بعض الأنظمة العربية، فالقاسم المشترك لكليهما افتقادهما مشروع الدولة والقدرة على الحكم الرشيد أو دعمه وتعزيز إمكانيته، فعلى الرغم من توافر فرص ومعطيات إقامة دولة المشروعية والمؤسسات الحديثة، فإن تجربة ما يقارب قرناً من الزمان في بعض الدول العربية تؤكد فشلهما في تحقيق ذلك، وخلافا للمدونات الدستورية والتأصيلات الفكرية والمبادئ والشعارات الجوهرية، التي يتداولها هؤلاء ويعلنون إيمانهم بها والتمسك فيها، فإن واقعهم شاهد على تفريطهم بها وتناقضهم معها، ويكمن السر في ذلك في إشكالية موضوعية ومعضلة ذاتية، جعلتا وباختصار جميعهم فاقدين أهلية الالتزام بذلك، وباحثين عن السلطة بذاتها ولذاتها.
أما الإشكالية الموضوعية فمردها إلى أنهم يؤمنون بالمبادئ والقيم للاستهلاك الشعبي والطرح الدعائي، ولذا فهناك هوة كبيرة بين ما يعلنون ويقولون، وبين ما يفعلون ويمارسون، ولذلك تجد تناقضات صارخة بين ممارساتهم وسياساتهم، وبين المبادئ والقيم، فبعض هذه الأنظمة ورجالها لا يؤمنون بقيم الديموقراطية والمشاركة الشعبية في إدارة الدولة، ولا في التداول السلمي للسلطة، ويضعون من القواعد والشروط والضوابط ما يقيد ويضيق القدرة الشعبية في التغيير والإسهام في إدارة شؤون الدولة. وفي المقابل، لا يملكون قدرة على النهوض بمشروع الدولة، وهو ما يبرز هشاشة بعض الدول العربية التي آخر ما تبنى عليه هو مؤسسات للحكم أو برنامج وركائز للإدارة الرشيدة. أما أغلب التيارات السياسية فهي مغرقة في حزبيتها وتعصبها لآرائها، بل وفي عدم الإيمان بالرأي الآخر وإقصائه، بل قد يصل الأمر إلى التآمر عليه وتصفيته، أو التحريض على ذلك، وتعتاش ــ وبكل أسف ــ على افتعال الصراع، وبث كل ما يشغل الناس فيه، ولا يملك أي منها الحديث عن تميزه وإمكاناته ومشروعه السياسي والإصلاحي، وقد غذت كل ذلك حالة الاتهامات والتخوين والكراهية بين الفرقاء السياسيين، بما فيها أنظمتهم ذاتها، ما جعل كل ذلك محورا لاهتمامهم اليومي، وجوهرا لطرحهم الانتخابي، وبرنامجهم السياسي.
وأما المعضلة الذاتية فمنطلقاتها في هذه الدول، هي أن الاستحواذ على السلطة والتفرد بها وإقصاء الآخر هي نهاية المطاف، والغاية التي يسعى إليها كل منهم، فمن يكون بالسلطة يخشى فكرة تداولها سلميا، أو أخذها منه انقلابيا، كما حدث في الانقلابات العربية الشهيرة في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، التي لا تزال إرهاصاتها وتأثيراتها حاضرة لمن بيده السلطة، ما يجعل هذه الأنظمة تتصف بالشراسة ذودا عن سلطة الحكم التي بيدها، مهما كلف ذلك من ثمن ودماء وانتهاك للحريات، لأن في ذهنها هي الحكم والحكم هي، فلا تستوعب فكرة وجودها خارج السلطة ومبدأ تداولها. والسلوك الإقصائي نفسه يمارسه من يصل إلى الحكم من التيارات السياسية انتخابيا أو بالقوة.
وخلاصة لكل ما سبق، يتصف المثقف العربي عموما، سواء وهو في صف النظام المستبد، أو التيار السياسي المتعسف، أو في حال التبرير الواقعي المؤسف أو التفرج المتوقف، أنه يعيش أزمة فقدانه القدرة على الموازنة، والقدرة على امتلاك الموضوعية والحياد في الحكم على الأحداث من دون الانطلاق من القناعات المسبقة، وعلى الجميع في ضوء ما يمر به العالم العربي، وخصوصا في بعض الدول العربية المعروفة، أن يحدد موقفه من:
– هل انتهى الخيار الانتخابي في إدارة شؤون الدولة؟
– هل يمكن أن تقبل القوة أساسا في الوصول إلى الحكم؟
– هل الانقلاب العسكري مقبول للتعبير عن الإرادة الشعبية؟
– هل نقبل بتصفية الفرقاء السياسيين ومن يعارضنا بالرأي؟
– هل نقبل بالزج السياسي للقضاء وتمرير محاكمات صورية من خلاله؟
– هل من شرعية لنظام يقتل شعبه ويدمر بلده حفاظا على سلطته أو أمنه؟
– هل يقبل مبدأ لا حرية إلا ما تحدده السلطة وأحكام الطوارئ منطلقا لهدر الحريات؟
أظن أننا في بعض مناطق العالم العربي بحاجة إلى وقفة جادة لنتعرف على حقيقة مؤلمة، وهي أن تخلفنا يكمن في أن كل نظام لا يرى إلا نفسه، ولا يسمع غير صوته، وتياراتنا تعتاش على تمزيق الدولة وبضربها فيما تعتقده أنها مواجهة بعضها لبعض، لكن منطلقاتها الفئوية أو الحزبية أو الطائفية تنال من الدولة وإمكاناتها، وهم لا يتضررون من ذلك.
ولذا، فلا أحد منهما يملك مشروعا لبناء الدولة التي هي في أزمة في معظم عالمنا العربي.
تعليقات