المجتمعات العربية وعلامات التغير إمكانية ترسيخ الإصلاح - يكتب شفيق ناظم الغبرا
زاوية الكتابكتب يونيو 4, 2017, 12:16 م 693 مشاهدات 0
في العقد الأخير تغيرت مجتمعاتنا العربية، فالعنف والحروب الأهلية والانشقاقات والتمرد وفي حالات الثورات دليل على طبيعة التغير. لكن النظام العربي يتصرف وكأن شيئا لم يكن، فهو يستند بالأساس على العصبية في التعامل مع المعارضة أكانت سلمية أم عنيفة، وقلما يعرف كيف يحاور ويستمع ليكون أكثر تمثيلا لما يتطلبه المجتمع.
الشيء الواضح ان شعوب العالم العربي، التي تعرف تاريخيا بضعف المشاركة السياسية قد تغيرت. علامات ذلك كثيرة، فظاهرة الانتحاريين بهذه الكثافة جديدة، وظاهرة الثوريين الذين يسعون لإسقاط وتغيير نظام أجدد، وظاهرة الإصلاحيين والنشطاء حديثة. إن سلسلة المتمردين العرب بكل انحرافاتهم كأبوبكر البغدادي والزرقاوي وظاهرة بن لادن والعنف والغضب مجرد مؤشرات بأن شيئا تغير في النفسية العربية المسالمة. معركة الموصل المستمرة منذ ثلاث سنوات مؤشر على عمق التغير. إن الاعتقاد بأن الأزمة العربية وتناقضاتها تقع خارج العالم العربي خداع للنفس. بالطبع هناك في الأزمة العربية ذلك الدور الكبير للصهيونية وإسرائيل والتدخل الأجنبي، لكن جوهر المشكلة العربية ذاتية بين الحاكم والمحكوم.
إن حراك المغرب الريفي وحراك مناطق أخرى عربية كالجزائر تؤكد أن مدرسة التغير الإصلاحي الثوري حية في القاع العربي وأنها نتاج الوعود التي لم تحقق. لهذا فمن اعتقد بأن حراكات الشعوب انطفأت بفضل القمع والخطاب الإعلامي الموجه يخطئ التقدير، فالإقليم مليء بحركات وقيم تنتظر الكشف عن وجودها. ومن مكونات التغير أن الشارع العربي بدأ يؤمن بدوره في التأثير على التغير. فكل يوم يزداد عدد العاطلين عن العمل، ويرتفع عدد المهمشين، كما ويتضاعف عدد المواطنين العرب المؤمنين بأهمية التغير.
بنفس الوقت تبرز ديناميكية جديدة في الحالة العربية. فقد تورطت الكثير من الأنظمة في قمع تعبيرات الاختلاف والرأي الاخر. لقد استنتجت هذه الدول بأن الليبرالية الشكلية والسماح ببعض التعبيرات بما فيها تقبل وجود الجمعيات المستقلة كان سبب الربيع العربي، لكن هذه القراءة خاطئة بالكامل، فالتشدد ومنع الجمعيات الأهلية وعدم احترام حقوق الإنسان بالإضافة لفرض الضرائب ورفع الدعم دون توفير اسس العدالة الاقتصادية والتنمية الفعالة سيكون أحد أهم اسباب الموجة الثانية من الثورات العربية في المرحلة القادمة. إن الحساسية المفرطة تجاه كل شعار وبيت شعر ومقالة يشير إلى جانبين كل منهما أهم من الاخر. الجانب الأول يؤكد لنا أن النظام العربي أو قطاع كبير منه فقد الثقة بنفسه وبات يخشى حتى من الهواء وأنه بالتالي يزداد تأزما حول شرعيته. لكن من جهة أخرى هذا السلوك القمعي بالتحديد في ظل الحرمان الاقتصادي المتنامي والتفاوت الطبقي يعود ويسهم في خلق نشطاء جدد ويسهم أيضا في تجذير الخطاب الثوري في الاقليم. بسلوكها تتحول الأنظمة العربية لحليف للتيار الثوري، فهي تدفع الشعوب دفعا، دون قصد منها، للتمرد وللثورة.
الحكومة في التاريخ الإنساني والدولة وجدت لخدمة المجتمع ولتحقيق العدالة، لكن عندما تتحول الدولة والحكومه للنقيض وعندما لا يصبح المواطن أساس اهتمامها تصبح الحكومة والدولة عبئا على المجتمع. لهذا الحراكات في الزمن القادم ليست مستحيلة بل لديها فرص اكبر، والسبب في ذلك ان البشرية تدخل في حالة وعي جديد بسبب انتشار الاخبار والمقدرة على التعرف على ما يدور حولنا، كل هذا يعزز المعرفة التي تعزز التمرد. المقصود هنا انه بالرغم من كثرة التوجيه الرسمي ورغم كثرة الموانع كاغلاق المكاتب والجمعيات، الا ان الحراك كما والثورة في المجتمعات ممكنة بهذا العصر بصورة اكبر من العصور السابقة.
الثورة فعل معارض يهدف لاسقاط نظام سياسي وتبديله أو تغيره بنظام اخر، بلادنا ستشهد ثورات قادمة، لكن المجتمع العربي بإمكانه أن يفرز انتفاضات أو حركات إصلاحية كبرى تفتح الباب لإصلاح النظام وتعديل موازين نخبه وإحقاق عملية عدالة وتوافق. الامر هنا يتوقف اساسا على مدى شرعية النظام السياسي في نظر مواطنيه وطبيعة الحراك الذي يقوم به الناس. كل هذا سيتوقف في الزمن القادم علي رصيد النظام نفسه وطبيعة سلوكياته تجاه مواطنيه ومعارضيه في الزمن الذي سبق حالة التمرد.
بقلم:شفيق ناظم الغبرا
تعليقات