فهمي هويدي يكتب.. مراجعات البيت الأبيض

زاوية الكتاب

كتب 469 مشاهدات 0

فهمي هويدي

الشروق

مراجعات البيت الأبيض

فهمي هويدي

 

أخطأنا فى استقبال قرار الرئيس دونالد ترامب تأجيل نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس. إذ ليس صحيحا أن ذلك دليل على نجاح الدبلوماسية العربية ولا هو دليل على جدية الرئيس الأمريكى فى سعيه نحو السلام، فلا الدبلوماسية العربية تتمتع بقوة ضغط تمكنها من التأثير على القرار الأمريكى، ولا الرئيس ترامب راغب فى تحقيق السلام الذى يتمناه العرب، خصوصا أن الرجل حرص أثناء زيارته الأخيرة للمنطقة على أن يبدو مؤيدا لكل ما يتطلع إليه الإسرائيليون.

الخطأ الذى أدعيه نابع من أننا لم نستوعب بعد حقيقة الصراع الحاصل فى الإدارة الأمريكية بين طرفين أحدهما يعبر عن المؤسسة المستقرة الممثل فى جهاز الدولة بتقاليده الراسخة، وبين الأيديولوجيين الشعوبيين الذين جاء بهم الرئيس الأمريكى إلى البيت الأبيض (بعضهم من العسكريين السابقين الذين لا تتوافر لهم الخبرة السياسية). بطبيعة الحال فإنهما لا يختلفان حول التزامهما بالمصالح العليا للولايات المتحدة، لكنهما يختلفان حول قراءة تلك المصالح وكيفية تحقيقها، فالانحياز لإسرائيل مثلا يعد جزءا من ثوابت السياسة الأمريكية، لكن رجال المؤسسة رأوا أن نقل السفارة الأمريكية فى الوقت الراهن لا يخدم الاستقرار فى المنطقة وينذر بتفجير الوضع الفلسطينى بما قد يضيف إلى أجوائها المضطربة مصدرا آخر للتوتر والتصعيد، فضلا عن أنه يزيد من موجة العداء للولايات المتحدة التى تقدم لإسرائيل الدعم بصورة أخرى. أما ترامب الذى كرر التزامه بنقل السفارة أثناء حملته الانتخابية، وأيده فى ذلك أركان حملته، فقد كان مدفوعا بعواطفه الخاصة تجاه إسرائيل، ومتأثرا بموقف الغلاة المحيطين به، إلى جانب أن عينه كانت على أصوات اليهود الأمريكيين.

نبهنى إلى ذلك أحد الخبراء الأمريكيين، كنت قد التقيته فى مؤتمر شهدته أخيرا. وفهمت منه أن الخارجية الأمريكية تستشيره ضمن آخرين من ذوى الصلة فى بعض الأمور المتعلقة بالمنطقة. وأثار انتباهى فى حديثه قوله إن بعض رجال المؤسسة لم يحتملوا وصول الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض فنأوا بأنفسهم عنه، ومنهم من استقال من وظيفته. إلا أن آخرين قرروا أن يصمدوا وأن يحاولوا كبح جماح الرئيس وفريقه من خلال محاولة تطويقه وترشيد قراراته. وكانت المؤسسة الأمنية فى المقدمة من هؤلاء، بما يعنى أن «الدولة العميقة» وقفت فى ذلك الجانب. واصطف إلى جانبها القضاء والإعلام. وقد تكفل القضاء بتحدى الرئيس ووقف بعض قراراته علنا مثلما حدث فى قرار منع دخول رعايا الدول الإسلامية الست للولايات المتحدة. أما الإعلام، فى أغلب منابره، فقد تكفل بتعرية سياساته وفضحها، وساعدته على ذلك التقارير والمعلومات التى سربتها الدولة العميقة.

استوقفنى فيما ذكره محدثى قوله إن الدولة العميقة عارضت فكرة اعتبار الإخوان جماعة إرهابية. وهى الفكرة التى دعت إليها مصر وبعض الدول الخليجية، وتحمس لها وتبناها بعض الجمهوريين فى الكونجرس، والحجة التى أثيرت فى هذا الصدد اعتمدت على أمرين. الأول أن شروط التصنيف الأمريكية للإرهاب لا تنطبق على الإخوان. والثانى أن هذه الخطوة لا تخدم الاستقرار فى الشرق الأوسط، خصوصا إن جماعات الإسلام السياسى أصبحت جزءا من السلطة والعملية السياسية فى بعض دوله (تونس والمغرب والجزائر والأردن ولبنان).

أضاف صاحبنا أن أحد القادة العرب البارزين أثار الموضوع فى لقائه مع الرئيس ترامب فى واشنطن، لكن الرئيس الأمريكى لم يبلغه باستبعاد الفكرة فى الوقت الراهن، لكنه أبلغه بأن الموضوع لايزال تحت الدراسة من جانب الجهات المعنية.

إن الرئيس عندهم هو صاحب المنصب الأهم فى الدولة، لكنه ليس الشخص الأهم. لذلك فهو قابل للمراجعة والاحتواء. ولئن كان صاحب الصوت الأعلى، لكنه ليس صاحب الصوت الوحيد ولا هو فوق المساءلة ــ عجبى!

 

الشروق

تعليقات

اكتب تعليقك