عدنان فرزات يكتب.. أخلاق مؤقتة
زاوية الكتابكتب يونيو 2, 2017, 1:03 ص 598 مشاهدات 0
القبس
أخلاق مؤقتة
عدنان فرزات
السؤال الذي يفرض نفسه في شهر رمضان المبارك من كل عام هو: «ما دام الإنسان قادراً على أن يكون مستقيماً وصادقاً ونزيهاً وغير مرتش ولا يغتاب الناس ولا يؤذيهم، فلماذا لا يكون بالصفات نفسها طوال العام؟».
شهر هجري كامل يتحول الإنسان فيه إلى صفات أقرب للملائكية، يتصدق ويتعاطف مع الفقراء ويساعد الآخرين وينظف قلبه من الأحقاد، فما الذي يمنعه أن يكون كذلك العام كله؟ ولماذا بمجرد انتهاء الشهر الفضيل يخلع الإنسان رداءه النقي الشفاف ويعود لارتداء جلد الثعلب، يراوغ وينصب ويسرق ويحتال على الناس؟ إنها أسئلة تستحق التأمل، فكوننا نقدر على المواظبة شهراً كاملاً في الطريق المستقيم، فهذا يعني أن فطرتنا التي بداخلنا تحثنا على الخير لا على الشر، ولكننا نغلّب القليل من الشر الذي في أعماقنا على الكثير من الخير الذي جُبلنا عليه.
المجتمعات تنهار بالفساد، والفساد يبدأ بالفرد نفسه قبل أن يصبح حالة عامة وسمة للمجتمع، والفساد الفردي يبدأ من الموظف ومن سائق التاكسي وبائع الخضار ونادل المطعم، ثم يكبر حتى يصبح على مستوى مجتمع بأكمله، وحينها يصعب أو يستحيل العلاج.
المفهوم العام للشخص الفاسد هو المرتشي أو هو الذي يشبه شخصيات الأفلام القديمة يسرق الخزنة، ولكن في الواقع الفساد أنواع لا حصر لها، فسائق التاكسي يخدعك بالأجرة، والبائع يغشك بالوزن، والموظف قد يسرق الوقت لا المال، والطبيب والإعلامي يخدع الجمهور.. ولو أكملنا الحسبة، لاكتشفنا أن معظمنا فاسد ولص.
وفي مقارنة بسيطة، نجد أن الغرب منضبط و«صائم» العام كله، فمثلاً سائق التاكسي لا يمكن أن يتجاوز القيمة الواردة في العداد، بينما عندنا فالعداد هو ديكور يحمي السائق به نفسه من الشرطة، ولكن قبل وصولك لوجهتك، وقبل أن تمد يدك إلى جيبك لتمنحه الأجرة، يبدأ بفتح حديث طويل عريض عن غلاء المعيشة وارتفاع أسعار البنزين وقد يُخرج لك من محفظته صور أبنائه ليستدر عطفك، فتضطر لأن تمنحه قيمة أعلى، بينما في الغرب فالسائق وبمنتهى الجدية ينظر إلى العداد ولا يتقاضى فلساً إضافياً واحداً حتى وإن تنازلت أنت عنه فيعيده إليك.
بعض الموظفين يسرقون الوقت بـ«التزويغ» من الدوام، معتقدين أن هذا أهون الشرور، ولكن يتناسون أن مرتباتهم هي على عدد ساعات دوامهم، وفي حال داوموا ساعات أقل، فإنهم يتقاضون مالاً حراماً.
شهر رمضان المبارك بالنسبة إلى بعض الناس بمنزلة حصالة يجمع فيها ما استطاع من حسنات، ثم عندما ينتهي الشهر.. يكسرها.
تعليقات