أنا مع احياء هذه المناسبة الحزينة سنويا.. يتحدث عبد اللطيف بن نخي عن تفجير مسجد الامام الصادق
زاوية الكتابكتب مايو 31, 2017, 11:51 م 724 مشاهدات 0
الراي
رؤية ورأي- لنفجر!
د.عبد اللطيف بن نخي
بعد أيام، في التاسع من شهر رمضان، ستحل علينا الذكرى السنوية الثانية للإرهاب التكفيري الذي استهدف المصلين في مسجد الامام الصادق - عليه السلام - فقتل 26 وجرح 227 صائما ساجدا بسبب اختلافهم عن الانتحاري في بعض الامور الدينية. أنا مع احياء هذه المناسبة الحزينة سنويا لما فيها من عَبرة وعِبرة. لأنها سببت لنا غصة مؤلمة تتجدد كلما سجدنا في مسجد ونحن صيام، وفيها قصة جميلة تحكي كيف واجهنا، الارهاب التكفيري، بتكاتفنا بمختلف أطيافنا وبتلاحمنا نحن الشعب مع قيادتنا.
قبل أيام، تذكرت هذه الفاجعة وأنا أشاهد إعلانا لإحدى شركات الاتصالات المتنقلة، ليس فقط لأن أحد ضحايا التفجير ظهر في الإعلان، بل الأهم من ذلك بسبب المعالجة الفكرية الصريحة التي طرحها الاعلان من خلال حوار بين إرهابي تكفيري وبين من كان ينوي أن يستهدفهم من المدنيين العزل. يا ليتنا كنا قد تبنينا تلك المنهجية في مساعينا لاجتثاث الفكر التكفيري منذ نشأته وقبل تمدده وتسلله إلى عقول الشباب والشابات، لكنا قد حمينا الكثير من ضحاياه في مجتمعاتنا وفي الدول الأخرى. وبالطبع هذا التأخير لا يقلل من أهمية الاعلان ومنهجيته،لأنه أن تبدأ متأخرا، خيرا من أن لا تبدأ.لذلك أناشد القائمين على مكتب الإنماء الاجتماعي وجميع الجهات المعنية، بتشكيل وتقويم ثقافة المجتمع، دراسة وتحليل محتوى الاعلان وبالأخص منهجيته ودرجة وضوحه في التصدي للثقافة التكفيرية. فالإعلان يقارع الفكر التكفيري بالسيرة النبوية وبمبادئ الاسلام المحمدي، وفي الوقت نفسه، يدعو إلى مواجهته بحزم وتفجيره. ولا أستبعد أن يكون الاعلان قد صمم ليكون معولا ثقافيا لهدم المباني الفكرية للإرهاب التكفيري، الدور الذي تقاعس عنه طويلا المعنيون بثقافة المجتمع.
يبدأ الاعلان بصوت طفلة تتوعد الإرهابيين بأنها ستشتكيهم إلى الله الذي يدّعون أنهم يجاهدون في سبيله ويستشهدون من أجل إعلاء كلمته. وتنذرهم بأنها ستخبر الله أنهم ملاءوا المقابر بالأطفال، فأصبحت مقاعدهم في المدارس فارغة، وأنهم انشغلوا بإشعال الفتن ونشر الدمار عوضا عن البناء والإعمار. لذلك فهم كذابون في ادعائهم بالجهاد، وإن صدق ما في صدورهم، لأن نتائج أعمالهم متناقضة مع جوهر الإسلام، دين الرحمة والسلام، والدين الذي يدعو إلى بناء الانسان بالعلم وازدهار الأوطان بالتنمية.
ثم ينقلنا الإعلان إلى مشهد آخر، يصور فيه حوارا بين انتحاري مفخخ - قبيل تنفيذ جريمته - وبين من يستهدفهم من المدنيين الذين أظهرهم الاعلان في شاكلة ضحايا عمليات ارهابية سابقة. فينطق الارهابي الشهادة الأولى، وهو يتسلل إلى وسط مجموعة من المدنيين في حافلة ليقتل أكبر عدد منهم. فيخاطبه أحدهم: كيف تقدم إلينا بالموت باسم الله وهو خالق الحياة؟ ثم يشهد الارهابي بأن محمدا عبده ورسوله، فيرد عليه طفلا متسائلا، ألم تعلم أن المصطفى - صلى الله عليه وآله - كان «مسامح حليم لم يؤذ من آذاه»؟ توظيف رائع للسيرة النبوية من أجل إقناع التكفيريين بأنهم منحرفون عن الصراط المستقيم.
ويستمر الحوار بين التكفيري وبين المدنيين. فيكبر تكبيرته الأولى ويردوا عليه أن «الله أكبر مِن مَن يخفي ما لا يُظهر»، فهم ينبهونه إلى أنه أقرب إلى المنافقين من المجاهدين. وبعد تكبيرته الثانية يقولون له ان «الله أكبر مِن مَن يحفظ لا يتدبر»، في اشارة إلى أنه من ضحايا مشاريع البرمجة الفكرية المتطرفة المعزولة عن الجوانب الإنسانية من الرسالة السماوية. وبعد تكبيرته الثالثة يجيبون عليه أن «الله أكبر مِن مَن أمن حتى يغدر». وهنا استذكرت قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - عليه السلام - وهو يخطب على المنبر في الكوفة ابان خلافته «أيها الناس لولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس إلاّ أنَّ لكل غدرة فجرة، ولكل فجرة كفرة، ألا وإنَّ الغدر والفجور والخيانة في النار». لا شك أنها تعاليم المدرسة المحمدية التي ينبغي أن تعزز في ثقافتنا المجتمعية إن أردنا اجتثاث الفكر التكفيري.
البعد الجميل الآخر في الإعلان، تمثل في الدعوة للحزم في مكافحة الثقافة التكفيرية. فنسمع مطالبات المدنيين بتفجير أركان تلك الثقافة، بقولهم: «لنفجر العنف رفقا» و«لنفجر الضلال حقا» و«لنفجر الكره عشقا» و«لنفجر التعصب نرقى». وأنا معهم أقول: لنفجر ثقافة الفكر الأحادي ونشيّد محله ثقافة التعددية... «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».
تعليقات