كيف تريدون أن يكون التعليم محترما ونحن لا نحترم ناقله؟.. يتسائل محمد السداني

زاوية الكتاب

كتب 720 مشاهدات 0

محمد السداني

الراي

سدانيات- بين «ماذا» و«مازا»!

محمد السداني

 

شاهدنا جميعاً أحداث برلمان الطالب التي جرت في قاعة عبدالله السالم، وقام الطلاب والطالبات بتمثيل أدوار النواب. يكاد المشهد يكون جميلاً من الخارج وأنت ترى أطفالا صغارا يكبرون وينمون على ديموقراطية وحرية الرأي. ولكنَّ المشهد مختلف كثيرا عما رأيناه من قاعة البرلمان، فالطلبة عندما بدأوا يمارسون حريتهم في التعبير عن آرائهم وطموحاتهم، بدأوا ناقدين لوزارة التربية ومناهجها ومبانيها.

وليت الأمر توقف عند ذلك، ولكنّهم استمروا في النقد حتى وصلوا إلى المعلمين! وليته كان انتقادا ولكنَّها جرأة وقلة احترام وتقدير للمعلمين، والعذر أنَّ المعلم يتحدث بلغته العامية في الفصل! إنَّ جهابذة اللغة العربية في العصر الحديث لا يخلو لسانهم من بعض مواطن الزلل والميل إلى العامية، وأساتذتنا في الجامعة والمدرسة كانوا يتحدثون مرات عدة بلغة عامية ولم يؤثر هذا على مستوى تحصيلنا العلمي واللغوي، بل بالعكس عرفنا من خلال نطقهم أسباب اختلاف اللهجات وتكوينها، ولكنَّ البعض يحاول أن يخفي فشله بأي سبب ما.

إنَّ من يرمي المعلم بالجهل ويراه بعين الاستصغار لأنَّه تحدث بعاميته، أكاد أجزم أنَّه لن يصمد عشر دقائق إذا تحدث باللغة العربية الفصحى في أي مكان. ولكنَّه المعلم المغلوب على أمره في كل مكان حتى طلبته الذين من المفترض أن يكون احترامهم لمعلمهم هو طريق رسم سلوكهم وتصرفاتهم، والعتب ليس على الأطفال ولكن على كل من صفق لهذا الأمر المشين للعملية التعليمية بأسرها، فنحن بانتقادنا للمعلم لا ننقد شخصا بعينه بل نهدم أمة وجيلاً كاملاً.

كيف تريدون أن يكون التعليم محترما ونحن لا نحترم ناقله؟ وكيف تريدون أن يكون الجيل واعيا، وأول شيء ضربه الجيل هو المعلم؟ إنَّ التمادي الذي حصل في مجلس الأمة لا بد وأن يكون جرس إنذار لنا لكي نتنبه في الآتي من الأيام، بأنَّ حرية الرأي والنقد لا بد وأن توضع لها ضوابط أخلاقية، واستعراض العضلات الصوتية والصراخ لن يجدي نفعا مع لغة العقل والمنطق. فأنا قبل أن أخاطب الصغار الذين ضربوا مثلا سيئا في بعض آرائهم حول المعلمين واستهزائهم بهم، أخاطب نواب الأمة أن يكونوا مثالا يحتذى به لأبنائهم وإخوانهم.

لا ألقي اللوم على الطلبة وحدهم بل ألقي اللوم أيضا على من سمح لهم بالحديث عن معلميهم بهذه الطريقة. ولا أستغرب أيضا فعلهم، فهم يرون يوميا جلسات مجلس الأمة ويشاهدون النواب ويحاكونهم في تصرفاتهم وكلامهم. والطلبة لا يحتاجون العديد من الجلسات لكي يحاكوا طريقة النواب في التحدث، ولكنها جلسة واحدة كافية لرسم طريق التفكير والتحدث والجدال. أعتقد أننا وصلنا إلى مرحلة خطيرة نجد فيها أنفسنا وهي على محك المسؤولية، فإما أن نستنفر حافظا على أخلاقيات التعليم وإطاره وحفظ مكوناته، وإما أن نستمر في مسلسل الفوضى الذي نعيشه ولا ندري هل له نهاية أو لا.

خارج النص:

من يضحك على المعلمين بأنَّهم ينطقون حرف الذال، زايا، بقولهم: «مازا» أي ماذا، هو نفسه من ينطق القاف، غينا، فيقول: «غمر» أي قمر، و«قيوم» أي غيوم، وغيرها الكثير من الأخطاء التي لا تخطر على بال بشر. فقبل أن تنتقد أساتذتك من الجنسيات الوافدة انتقد نفسك وطريقتك أنت وأبناء جلدتك في نطقهم

الراي

تعليقات

اكتب تعليقك