ناصر المطيري يكتب .. مخابر ومناظر
زاوية الكتابكتب مايو 2, 2017, 11:59 م 619 مشاهدات 0
النهار
خارج التغطية- مخابر ومناظر
ناصر المطيري
مما يروى في تراثنا الشعبي أن رجلاً وجيها في قومه كريما ويتميز بكل صفات الرجولة والشهامة فهو شيخ قبيلة وفارس وذو أخلاق فاضلة وكان عمره يتجاوز الخمسين سنة.
وكان لا يمر يوم ما يوجد في منزله ضيوف، طلب الزواج من إحدى بنات قبيلته وهي صغيرة السن لا تتجاوز العشرين عاما، ولم يمانع والدها لعلو مكانته وجاهه.
وكانت الفتاة تتميز بجمال باهر يتمناها كل شاب من القبيلة ولشدة جمالها دفع لها مهراً كبيراً وجهزها بأحسن جهاز وبعدما دخل بها كان يدللها ولا يرد لها طلباً.
ولمحبة ومكانة زوجها عند أقاربه وقبيلته وسمعته الطيبة عند الناس كانت إذا زارتها النساء يقبلن رأسها ويقدرنها من تقديرهن لمكانة زوجها، ولكنها مع مرور الوقت اغترت بنفسها واعتقدت أن الناس يقدرونها لشدة جمالها وأن الفضل لها لا لزوجها، وفي أحد الأيام طلبت من زوجها الطلاق فسألها عن السبب فقالت أنت رجل كبير السن وأريد زوجاً يماثلني في العمر فطلقها وترك لها كل ما قدم لها من مهر وجهاز، ولم يأخذ منه شيئاً.
وبعد ما أكملت العدة تزوجت من شاب في سنها من شباب القبيلة ولكنه لا يتمتع بالخصال الرجولية والسمعة والمكانة التي كان زوجها السابق يتمتع بها، وبعد زواجها من ذلك الشاب وجدت نفسها معزولة عن الناس ولم يعد يزورها أحد وفقدت الدلال ومحبة الناس لها وفقدت الحياة الكريمة والتقدير من الناس التي وجدتها عند زوجها الأول. وهنا عرفت أن الناس كانوا يقدرونها من تقدير زوجها السابق وليس لجمالها كما كانت تعتقد، فندمت أشد الندم ثم طلبت من زوجها الثاني الطلاق، فقال لها أطلقك بشرط تعيدي لي كل ما خسرت عليك من مهر وجهاز، لأنها كانت تعتقد أنه مثل زوجها الأول يطلقها من دون مقابل.
وهنا استنجدت بوالدها وأخوتها فدفعوا لزوجها كل ما طلب وطلقها.
وبعد انتهاء عدتها كان عند زوجها الأول خادم اسمه عبيد يستقبل الضيوف إذا وصلوا لبيت الشيخ ويقدم لهم القهوة وكان من المقربين عند الشيخ، وقابلته وطلبت منه أن يتوسط لها عند الشيخ ليتزوجها مرة ثانية، وقالت له إنها نادمة على ما صار منها فنقل عبيد كلامها للشيخ فقال له: في الصباح اعطيك الجواب توصله لها.
وفي الصباح أتاها الجواب في أبيات من الشعر يقول فيها:
يا عبيد لا شفت أريش العين قلّه
عليه مردود البرا عشر نوبات
رميت حبله يوم بيديه تلّه
ولا ينحكي يا عبيد في فايت فات
انا الكريم اللي النشامى بظلّه
وزبن التوالي يوم لو ذات الأصوات
كلن على فعله وحظّه يدلّه
واترك علومٍ مابها صدق واثبات
من باعنا نرخص مكانه ودلّه
ومن لا تقاضى حي يقمح اليا مات
العبرة في هذه الحكاية تقودنا للكلام أن الأصل الذي يبقى هو معادن الرجال ومعاني الرجولة الحقيقية التي ترسخ في أذهان الناس وتكون سبباً لتقدير الإنسان فليس كل ذكر رجل لأن الرجولة الحقة هي صفات وطبائع لاتتوفر في كل الناس.. المواقف هي معيار الرجولة الحقيقية، لأنها هي التي تكشف معادن الرجال بغض النظر عن أشكالهم أو ملابسهم أو أموالهم أو مساكنهم أو أصلهم، والمؤسف أننا أصبحنا في زمن اختلت فيه الموازين، وتراجعت الأخلاقيات والقيم إلا ما ندر، وأصبح البعض لا يقدر موازين الرجولة الحقيقية، وبرز في المجتمع كثير من أشباه الرجال ممن يتصدرون المجالس ليس بسبب مواقفهم وطيب أفعالهم بل بسسب ما يملكون من ثروات وماديات، في حين أنهم فقراء في الأخلاق رصيدهم من القيم والشيم قليل أو معدوم، ومع ذلك تجدهم يسودون ويعتلون المناصب والنفوذ.
تعليقات