عدنان فرزات يكتب .. الحب والمرض

القبس

الحب والمرض

عدنان فرزات

 

لا شيء يكسر الإنسان مثل الحب والمرض. في هاتين الحالتين تصبح أرواحنا شفيفة وقد نبوح بما خبأناه لسنوات في قلوبنا.

قبل أيام شعرت بآلام شديدة في قدمي اليسرى، ومن عادتي أنني أظل أقنع نفسي بأن المسألة عارضة إلى أن تأتي الأوامر الزوجية الصارمة بالنهوض والتوجه إلى الطبيب. وصلت مستشفى مبارك الكبير، كان في استقبالي عند الباب الخارجي شاب آسيوي يرتدي البدلة المخصصة للعمل وفوق رأسه قبعة صغيرة ومائلة لا تغطي إلا ذروة الرأس، ولا أعرف الجدوى منها. خذلتني قدمي اليسرى بالاعتماد عليها للنزول من السيارة التي تقودها زوجتي صاحبة الأوامر التي تشبه قرارات محمكة التمييز النهائية، فتلقفني الشاب الآسيوي وأقعدني على الكرسي المتحرك.

حتى هذه اللحظة تمنيت لو أسعفتني قدماي للنهوض والهروب من المستشفى، فمن أصعب لحظات حياتي هي زيارتي للطبيب لدرجة أنني لا أزور أصدقائي الأطباء حتى في بيوتهم، خشية أن يبدأوا بالحديث عن الأمراض، فعادة كل صاحب مهنة أول ما يراك يبدأ بتطبيق مهنته عليك، بمن فيهم المحامون الذين يلمحون لك إن كانت لديك مشاكل في الإرث أو حقوق أكلها عليك أحد، وعندما تجيبهم بأن الوالد يرحمه الله لم يترك لي سوى سبحته، وبأنني مواطن عربي لا حقوق لدي أصلاً ليأكلها أحد، فإنهم لا ييأسون، فيقولون لك: «على العموم إذا رفع عليك أحدهم دعوى بسبب مقالة لك فنحن حاضرون».. تستعيذ من الشيطان عدة مرات من أصحاب المهن الذين يسترزقون على مصائبك.

أدخلني الشاب الآسيوي إلى غرفة الطبيب تحت حراسة مشددة من زوجتي كي لا أهرب. في حالة المرض نصبح طائعين لزوجاتنا أكثر، نتذكر ونبوح أحياناً بما سببناه لهن من متاعب إبان صحتنا القوية، ثم ما نلبث أن نتراجع بعد شفائنا. طلب مني الطبيب المشي بضع خطوات، فعاجلته زوجتي بالرد نيابة عني: «لو يقدر على المشي لما دخل إليك على كرسي متحرك». امتثل الطبيب لصرامة زوجتي، وكسر قواعد الطب وطلب إجراء صورة أشعة. شخص الطبيب الحالة على أن المشكلة في أوتار القدم. قلت له رغم الألم: «هل شخصت حالتي أم آلة عود أو كيتار». لم يضحك الطبيب، بل اكتفى بتسليم زوجتي الوصفة، وهي ما زالت تُصدر الأوامر لي وللطبيب وللشاب الآسيوي الذي همس لي وهو ينزلني بصعوبة من الكرسي المتحرك: «أنت مسكين بابا».. لم أفهم قصده، هل لأجل الآلام التي أعاني منها أم لأوامر زوجتي؟!