فهمي هويدي يكتب.. زيتنا فى دقيقنا
زاوية الكتابكتب فبراير 15, 2017, 1:06 ص 737 مشاهدات 0
الشروق
زيتنا فى دقيقنا
فهمي هويدي
يكفى أن تقرأ خبر إغلاق وتشميع مركز النديم لعلاج ضحايا التعذيب لكى تعرف كل الحكاية. فهذا قرار دولة، والذين نفذوه تابعون لوزارة الداخلية. والهدف من الإغلاق هو منع علاج ضحايا التعذيب من ناحية، وإسكات صوت المركز الذى كان يتابع مختلف الممارسات التى تنتهك كرامة البشر وتعد جرائم بحق الإنسانية، ولست واثقا من تعليق أحد المدونين الذى قال فيه إن إغلاق المركز أريد به عدم تعطيل مهام التعذيب التى تقوم بها الشرطة.
فى السابق كان المسئولون يرددون فى مختلف المناسبات أنه لا يوجد تعذيب فى مصر، وأن إثارة الموضوع أريد به تشويه صورة النظام، وهى المهمة التى يقوم بها «أهل الشر» المصريون وأعوانهم من أشرار المنظمات الحقوقية فى العالم الخارجى. وهو ما كان يثير الشك حول صحة التقارير المحلية والدولية. ولكن قرار الإغلاق والتشميع حوّل الشك إلى يقين. وبرأ ساحة «الأشرار» فى الداخل والخارج من تهمة تشويه صورة مصر، إذ صار بوسع أى أحد أن يتساءل قائلا إذا لم يكن هناك تعذيب ولا يحزنون، وإذا كانت أيدى النظام وشرطته بريئة من دماء المصريين، فلماذا خاضت السلطة وأجهزتها الأمنية معركتها الشرسة ضد المركز، واستخدمت مختلف الحيل والألاعيب لإسكات صوته وإغلاقه، ودفعت بموظفيها فى يوم العطلة إلى تشميع بابه وحظر الدخول فيه.
من المفارقات أن الذين أغلقوه خدموه من حيث لا يحتسبون. كما أن الذين تصورا أن تقارير المركز تسىء إلى سمعة البلد، هم أنفسهم الذين لوثوا تلك السمعة وفضحوها، فقد تحول إغلاق المركز إلى خبر ترددت أصداؤه فى أوساط الحقوقيين فى العالم الخارجى، من ثم ذاعت شهرته وتابع قضيته وعرف بأمره كل من لم يسمع به. ثم إن من حسنت نواياه وشك يوما فى أن مصر تمارس التعذيب وانتهاك حقوق الإنسان، أصبح متأكدا الآن بأن التعذيب حاصل وأن الدولة التى تحرض على ستره واخفائه ضاقت بجهود كشفه وعلاج ضحاياه. لذلك فإنها انقضت على المركز وضمته إلى ضحايا الاختفاء القسرى، مع فارق بسيط أن مكان المركز بات معلوما.
إذا كانت السلطة قد قدمت خدمة للمركز بالقرار الذى اتخذته، فإن ضحايا التعذيب وحدهم الذين أضيروا بالإغلاق، وكان بوسع فريق العمل الذى يديره أن يتخلى عن مهمته محملا السطة وحدها مسئولية التوقف عن علاج ضحايا التعذيب، إلا أن إصرار السيدات المناضلات اللاتى يؤدين ذلك الدور على الاستمرار فى المهمة رغم ما جرى بدا مثيرا للدهشة والإعجاب. إذ فوجئت ببيان تناقلته مواقع التواصل الاجتماعى جاء فيه ما يلى: نظرا لتشميع عيادة النديم من قبل السلطات يوم الخميس ٩ فبراير ٢٠١٧، وإلى حين نتمكن من اللقاء وجها لوجه مرة أخرى، يمكن للناجين والناجيات من العنف أو التعذيب أو أهالى المختفين قسريا أو المعتقلين أن يتصلوا على الأرقام التالية لتلقى المشورة النفسية، وذلك فى نفس أوقات عمل عيادة النديم، من السبت إلى الأربعاء. من الساعة ١٠ صباحا إلى الثالثة مساء. وسوف نعمل ما بوسعنا لتقديم المساعدة، وإلى لقاء قريب. وحمل البيان أسماء وأرقام خمس طبيبات هن: د. منى حامد ــ د. رغدة سليط ــ د. عايدة سيف الدولة ــ د. سوزان فياض ــ ولحالات العنف ضد النساء د. ماجدة عدلى.
إن قرار تشميع مركز النديم نموذج للقرارات العشوائية التى تصدر مفتقدة للذكاء فى مصر بحيث يصبح الضرر فيها أكثر من النفع. وهو ما يدعونا إلى القول بأنه فى ظل أداء من ذلك القبيل لا تكون مصر مضطرة للإشارة إلى «أهل الشر» فى الإساءة إليها. إذ صار زيتنا فى دقيقنا.
تعليقات