فهمي هويدي يكتب.. الربيع المفترى عليه

زاوية الكتاب

كتب 406 مشاهدات 0

فهمي هويدي

الشروق

الربيع المفترى عليه

فهمي هويدي

 

ليس مفهوما إصرار الأمين العام لجامعة الدول العربية على ازدراء الربيع العربى وتحامله الشديد عليه كلما جاء ذكره أمامه. ورغم أن السيد أحمد أبوالغيط كان دبلوماسيا لأكثر من نصف قرن (التحق بالخارجية المصرية عام ١٩٦٥) فإنه تخلى عن دبلوماسيته فى حديثه عن الربيع العربى أكثر من مرة، متجاهلا أن أكثر من نظام جاء به ذلك الربيع ممثل الآن فى الجامعة العربية التى يتولى أمانتها.

لقد تابعت السيد أبوالغيط فى حوار أجرته معه فى ٣ فبراير الحالى (٢٠١٧) قناة «روسيا اليوم» قال فيه إن ما يسمى بالربيع العربى جدير بأن يسمى التدمير العربى، ودلل على ذلك بأنه تسبب فى الخراب والدمار الذى حل بأكثر من قطر عربى. ووجدته يقول نفس الكلام فى حوار آخر بثته قناة «س. بى. سى» المصرية فى ١٨ يوليو عام ٢٠١٦، وصف فيه الربيع العربى بأنه كذبة ومؤامرة. كما أنه ردد فكرة الدمار والخراب ذاتها فى حوار تليفزيونى ثالث بثه التليفزيون المصرى فى ٢٨ ديسمبر عام ٢٠١٤، ضمن برنامج باسم بوابة القاهرة.

كان مفهوما أن يكون ذلك رأى السيد أبوالغيط بوصفه وزيرا للخارجية المصرية فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك، الذى أطاح به الربيع العربى. ومن ثم لم يكن غريبا ما قاله فى الحوار الذى تم معه فى عام ٢٠١٤، وتصورت أن تختلف لغته ــ وليس بالضرورة موقفه ــ بعد اختياره أمينا عاما للجامعة العربية فى عام ٢٠١٦. إلا أنه لم يخف مشاعره، وظل مصرا على أن الرياح المنعشة التى هبت على العالم العربى فى عام ٢٠١١، لم تكن سوى أكذوبة ومؤامرة، وهو ما أعطى انطباعا بأن الرجل ليس معبرا عن «أمانة» جامعة الدول العربية ولكنه يعتبر نفسه ممثلا لبعض الدول المخاصمة للربيع العربى التى سعت جاهدة لإفشاله، وحققت بعض النجاحات فى ذلك.

تلك ملاحظتى الأولى على كلام الرجل. ولى بعد ذلك ملاحظات أخرى أوجزها فيما يلى:

< إن الدستور المصرى الصادر فى عام ٢٠١٤، اعتبر التغيير الثورى الذى أطاح بمبارك فى ٢٥ يناير وكذلك ما جرى فى ٣٠ يونيو بعد ذلك، بمثابة «امتداد للمسيرة الثورية للوطنية المصرية»، واستغرب أن يتجاهل أن ثورة يناير انطلقت فى السنة الأولى للربيع العربى، وكانت الحلقة الثانية «بعد تونس» من موجة التغيير التى شهدها العالم العربى فى عام ٢٠١١.

< إنه كرر فى لقاءاته الاستشهاد بما حدث فى العراق واعتبر ما أصابه من تجليات الدمار الذى أحدثه الربيع العربى، وقد خانته ذاكرته فى ذلك، لأن ما حل بالعراق هو نتيجة الاحتلال الذى وقع فى عام ٢٠٠٣ ولا علاقة له بالربيع الذى هبت رياحه على العالم العربى فى عام ٢٠١١.

< فى تجريحه للربيع العربى، فإنه كما بدا متعاطفا ضمنيا مع الأنظمة العربية الاستبدادية والفاسدة، وفى المقدمة منها نظام الأسد الوحشى الذى قرأنا قبل أيام فقط أنه أعدم ١٣ ألف شخص فى سجونه خلال السنوات الخمس الأخيرة، إضافة إلى قتل وتهجير الملايين من السوريين. ولم يشر بكلمة إلى شوق الجماهير العربية إلى الحرية والعدل فى بقية الأقطار التى ذكرها، ولو أنه قال مثلا إن الربيع العربى عالج أوضاعا سيئة بتداعيات أسوأ لكان أكثر موضوعية ودبلوماسية، وأكثر التزاما بمسئولية منصبه.

< إنه لم يكن منصفا فى تقييم الربيع العربى، إذ ركز على النتائج وتعمد السكوت على الأسباب التى تمثلت فى تعلق الجماهير العربية بحلم التغيير الذى بدأ سلميا ولكن قسوة القمع والتدخلات الخارجية قلبت المشهد وأوصلت الأمور إلى ما وصلت إليه، وهو ما يعنى أن الذى تسبب فى الدمار والفوضى ليس الربيع العربى ولكنه التآمر عليه وجهود إفشاله لصالح الثورة المضادة التى استعادت مواقعها على النحو الذى يلمسه الجميع. والله أعلم.

الشروق

تعليقات

اكتب تعليقك