مصر بحاجة إلى السعودية كما أن السعودية بحاجة إلى مصر.. يعقب فهمي هويدي على الخلاف المصري السعودي
زاوية الكتابكتب ديسمبر 21, 2016, 12:12 ص 617 مشاهدات 0
الشروق
قولوا خيرا أو اصمتوا
فهمي هويدي
ما عاد سرا أن العلاقات المصرية السعودية تمر بحالة من التوتر الذى لم تعلن أسبابه، وإن تعددت الاجتهادات والاستنتاجات بشأنها. وقد ظهر ذلك التوتر بشكل
أوضح عقب زيارة المبعوث السعودى لسد النهضة فى إثيوبيا. وهو الخبر الذى أبرزته الصحف المصرية بلا تعليق على صفحاتها الأولى، فى حين أن تعليقات الحوارات التليفزيونية المسائية على الزيارة حفلت بالتنديد والغمز (أحدهم وجه تهديدا لوح فيه بنفاد صبر مصر) الأمر الذى أعطى انطباعا بأن ثمة اتجاها نحو التصعيد الذى يحول الخلاف فى الرأى إلى اشتباك إعلامى أو غير إعلامى، لا يعرف إلا الله مداه. وقبل أن نقع فى محظور التجاذب والتنابذ فإننى أنبه إلى عدة أمور هى:
< أن الرسميين فى البلدين تعاملوا مع الموقف بدرجات متفاوتة من الرصانة والحذر، فى حين تصدى الإعلاميون للاشتباك وقاموا بدورهم فى التصعيد والتسخين والمزايدة.
< أن الخلافات فى الاجتهادات والمواقف واردة بين الأشقاء، لذلك لا ينبغى أن تصدمنا أو تزعجنا لأن لكل بلد حساباته التى يتعين احترامها. فضلا عن أننى لا أعرف فى العلاقات الدولية ــ حتى بين غير الأشقاء ــ دولا التقت مع بعضها البعض فى كل شىء.
< فى الحالة السعودية نحن لا نحتاج لمرافعة تثبت أن مواضع اتفاقها مع مصر أكبر بكثير من مواضع الخلاف. لذلك فقد بات معلوما أن الاختلاف أجله قصير، وأن الوئام لابد أن يحل يوما ما محل الاختلاف والخصام.
< أن مصر بحاجة إلى السعودية كما أن السعودية بحاجة إلى مصر فضلا عن أن استمرار الاشتباك يضعف الاثنين. لذلك فإن الخلاف لابد أن يكون له سقف لا يتجاوزه. وعلى العقلاء أن يحافظوا على ذلك السقف بحيث لا يتحول الخلاف إلى عراك يتم فيه تجاوز الخطوط الحمراء.
< أن العالم العربى فيه ما فيه من شقوق وتمزقات، وحين تصل العدوى إلى بلدين مهمين فى المنطقة مثل مصر والسعودية، فإن ذلك لن يؤدى إلى إضعافهما فحسب، ولكنه يؤدى كذلك إلى إضعاف العالم العربى الذى صرنا فى أمس الحاجة إلى رأب صدوعه ووقف مسلسل انفراطه.
لا أدعى إحاطة بمواضع الاختلاف. لذلك فليس لدى ما أقوله لاستعادة الوئام المنشود. لكن ما أتمناه فى الوقت الراهن أن تتضافر الجهود لوقف تدهور العلاقات وتعميق الفجوة بين البلدين، يدفعنى إلى ذلك أن تعليقات بعض الإعلاميين أثناء الحوارات التليفزيونية التى جرى بثها فى اليومين الماضيين اتسمت بغمزات ومطاعن لامست الخطوط الحمراء. الأمر الذى يوحى بأننا على شفا منزلف قد يدفع الأمور إلى ما هو أسوأ وأبعد. وهو ما لا يتمناه أى مواطن عربى سوى.
ولأن الإعلام المصرى له سمعته المشهودة فى الانفعال والتصعيد الذى يتجاوز الحدود المتعارف عليها فى بعض الأحيان، فقد تمنيت أن يخفف المنفعلون والمنددون من غلوائهم، بحيث يتعاملون مع المخالفين بقدر من الاحتشام والحذر الذى يحترم حدود وقواعد الخلاف. بمعنى أن يظل اشتباك مع أى طرف ــ إذا كان لابد منه ــ تحت سقف الخطوط الحمراء، فلا يوغل الناقدون فى التنديد والتجريح، وأن يظل الانتقاد فى حدود الموضوعات وليس الأشخاص والرموز. وإذا عن لأحد أن يقيس على استباحة المخالفين فى الداخل فلن اختلف معه، وإنما سأضم صوتى إليه منبها فقط إلى أن العلاقات مع الأشقاء لها خصوصية تجعلها أكثر تعقيدا، لأنها وثيقة الصلة ليس فقط بالمصالح الوطنية وإنما أيضا بالمصالح العليا للأمة.
أما إذا قال قائل بأن التجاوز والتصعيد حاصل بدوره فى جانب الأطراف الأخرى، الأمر الذى يبرر تصدى الإعلام المصرى له، فردى على ذلك أن الكبار يحاسبون بأقدارهم، ولا ينبغى أن يصبح سلوكهم رد فعل لتجاوزات غيرهم.
فى الحديث النبوى أن من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت.. وهو توجيه سديد وصفه الحافظ ابن حجر بأنه من جوامع الكلم. والخير المراد ليس المديح بطبيعة الحال، لكنه كل ما ينفع ولا يضر. ولو اهتدى به الإعلاميون، الأعلى صوتا فى زماننا، بعد حكامنا بطبيعة الحال، لجنينا من وراء ذلك خيرا كثيرا.
تعليقات