عدنان فرزات يكتب.. عشق تُجاهر به

زاوية الكتاب

كتب 492 مشاهدات 0

عدنان فرزات

القبس

عشق تُجاهر به

عدنان فرزات

 

للمدن عيون تحفظ ملامح زائريها، وبإمكانها أن تتعرف إليهم ولو بعد حين من الدهر والغياب.

أكاد أجزم بهذه النظرية الحالمة، لأن المدن الوفية تُشعرك بأن كل الذين يحيطون بك في شوارع المدينة هم عائلتك، الذين زرتهم قبل سنوات ثم سافرت للعلاج من إدمان عشقك لهم، ولكنك لم تُشف فعدت إليهم من جديد.

في سلطنة عمان يراودك هذا الشعور، وأنت تعود إليها مرة أخرى، لتجد أن قلوب الناس تشبه ثوابت جغرافية المدينة، كالجبال والزيّ العماني، الذي ما زال يعتد بنفسه كشجرة عمرها آلاف السنين لا تغير جذورها، ولكنها لا تمانع من طرح أغصان باخضرار جديد. لذلك يتمسك العمانيون بزّيهم هذا، وربما هم الشعب الوحيد الذي لا يبدل ثيابه التقليدية حتى وإن سافر إلى الخارج.

في هذه المدينة التي لها ذراعان من جمال جبلي وبحري، يتوج البهاء فيها أصدقاء يلوحون لك بأصابع القلب، التي يغمرها بخور «اللبان» للترحيب بك على طريقة تمتد طقوسها عبر مئات آلاف السنين، مذ كانت قوافل السفن تحمل هذا البخور عبر البحار إلى العالم.

هنا في مسقط يختلف مفهوم الشعراء، فقد تلتقي بشعراء يكتبون القصيدة فعلاً، ولكن هناك شعراء بأرواحهم أيضاً، ومن روعة الأيام أن يلتقي كل هؤلاء في مكان واحد، وتحديداً هنا في مهرجان «أثير للشعر العربي»، حيث تشعر أن كفك اليمنى امتلأت شعراً وأنت تصافحهم: موسى الفرعي وعبدالله العريمي، الذي يحكي شعراً حتى وإن سألته عن الطريق المؤدية إلى «سوق مطرح». ومحمد بن سيف الرحبي، وهو يحمل العصا التراثية التي يعتز بحملها أهل عمان، وفي ركن من أركان المهرجان، الذي تميز بأجواء مدهشة، أقيمت في الهواء الطلق تماشياً مع اسمه «أثير»، تلتقي أيضاً بأدباء وإعلاميين: خلفان الزيدي، وهو أول عماني تعرفت إليه في حياتي قبل حوالي عقدين من الزمن، وتستلفتك ابتسامة عاصم الشيدي، التي لها وميض مودة، وحفاوة سالم العريمي وأحمد الفلاحي وسعيد الصقلاوي، وأشخاص لا تكفي كل صفحات المحبة أن تستوعب أسماءهم، ولكن يقيني بأنك لو ذكرت شخصاً واحداً من عُمان فكأنك ذكرتهم جميعاً لتشابه أخلاقهم.

في هذا المهرجان تشعر بالاعتزاز أيضاً، وأنت تشاهد أشخاصاً من دولة الكويت عشت بينهم، وهم يفرضون سطوتهم الإبداعية على منبر «أثير». الشاعرات: سعدية مفرح العلامة الفارقة في المهرجان، ودلال البارود وميسون السويدان.

الحياة لا تمنحك فقط أصدقاء بمنزلة أهل، بل ومدناً بمنزلة وطن.

القبس

تعليقات

اكتب تعليقك