ما زالت الحكومة تعتقد أنها تستطيع السيطرة على الفكر والمفكرين.. هكذا يرى محمد السداني

زاوية الكتاب

كتب 537 مشاهدات 0

محمد السداني

الراي

سدانيات- «معرض الشاورما الدولي»

محمد السداني

 

جميل هو موسم القراءة في الكويت. والأجمل تفاعل الناس والشباب والصغار مع معرض الكتاب الذي يعد رافدا أساسيا من روافد الفكر في الدولة. فموسم المعرض يعد من المواسم التي تنشط فيها الندوات الفكرية والأحداث الثقافية التي من شأنها إثراء الساحة الثقافية بالعديد من الأنشطة المنعكسة على الثقافة والمثقفين.

ولكنَّ الغريب في هذا المعرض، أن تقيد الثقافة والقراءة بحجة السلطة على العقول ومعرفة ما هو مناسب وما هو غير مناسب! وصلنا إلى القرن الواحد والعشرين وما زالت الحكومة تعتقد أنها تستطيع السيطرة على الفكر والمفكرين، ظناً منها أن باستطاعتها أن تقيد دوائر القراءة وأن تجبر القراء على قراءة أنواع معينة من الكتب دون أخرى.

في عصر التكنولوجيا تستطيع أن تنقل مكتبة بحجم مكتبة الكونغرس في قرص صلب لا يتجاوز حجمه كف اليَّد، فلماذا تصر الجهات الرقابية على منع الكتب التي تحمل فكراً يخالف أهواءها وآراءها ومعتقداتها؟ الغريب في الأمر، أنَّ دولاً تعتبر أشد منا التزاماً وتمسكاً بالشريعة الإسلامية، تجدها تعرض الكتب الممنوعة في معارضنا بكل رحابة صدر وتفهم، فكيف بدولة مثل الكويت عرفت العلم والثقافة من نشأتها، أن تعيش في هذه الأيام ردة ثقافية؟ وهل صارت المؤسسات الثقافية في الدولة رقيبا على كل ما يعرض للجمهور فتختار ما يناسبه وتقصي ما يخالف أهواءها؟

لا بد علينا ونحن نحتفل بالكويت كعاصمة للثقافة الإسلامية، أنْ نفهم الإسلام فهما صحيحا وأنه لم يكن ليحجر رأيا أو يكون مانعا وسدا ضد الآراء الأخرى التي تخالفه أو تعرض وجهة نظر مختلفة. قبل أن نضع شعاراتٍ رنانة تمجد الثقافة والمثقفين ونقيم المعارض والمؤتمرات والندوات الثقافية يجب علينا أن نقيم التوازن الثقافي في عقولنا، فنعرف ما لنا وما علينا ونعرف أنَّ الله أعطانا عقولا نستطيع من خلالها أن نحدد الصالح والطالح وأن لا أحد له سلطة على أحد في فكره وآرائه ومعتقداته حتى تكون هذه الآراء مخالفة للدستور والقوانين. وأما غير ذلك، فلا سلطة تعلو فوق سلطة العقل الناقد والمحلل، وهذا ما حاولنا مرارا وتكرارا أن نزرعه في نفوس أبنائنا في المدراس، ولكن سياسة حشو الأدمغة والعقول ما زالت قائمة وتخاف من أن يفكر الطالب أو أن ينتقد أو يتبنى رأيا مخالفاً لما يحتويه المنهج.

خارج النص:

كنت مشرفاً على إحدى رحلات معرض الكتاب مع طلابي في مدرستي السابقة، وكنت أحثهم على اقتناء الكتب المفيدة والتي من الممكن أن تغير فكرهم وآراءهم. وبعد ساعة من توجيهاتي عادوا ومعهم أكياس الكتب يحملونها بيد وباليد الأخرى يحملون الذرة المطبوخة على البخار و«صمون» الشاورما. فقلت لهم ماذا اشتريتم فقال أحدهم: الكتاب الفلاني - كتاب عامي- وكتاب طبخ لوالدتي. فقلت: وماذا عن الفكر؟ فقال: «أستاذ أحلى شيء في المعرض، الذرة والشاورما ما تلاقيهم بولا مكان في الكويت».

فعرفت أن الثقافة عند البعض، حشو البطون لا حشو العقول، وعرفت أنَّ التعليم يسير في دربه الصحيح نحو «سيخ الشاورما» ولا رقابة على الشاورما، بل الرقابة تقتصر فقط على الآراء.

الراي

تعليقات

اكتب تعليقك