وائل الحساوي يعيد نشر مقال عمره 80 عاما لأحمد الزيات
زاوية الكتابكتب نوفمبر 3, 2016, 12:12 ص 654 مشاهدات 0
الراي
نسمات- كلكم يبكي... فمن الذي سرق المصحف؟
وائل الحساوي
كتب احمد الزيات، وهو من كبار الكتاب مقالا مؤثرا في عام 1935 يرثي حال مصر، يقول فيه (مجلة الرسالة بتاريخ 1-7-1935).
لا تسمع من أي إنسان في أي مكان إلا تذمراً على حال المجتمع، وتضجراً من نظام العيش، وتضوراً من فساد الحكم، وتحسراً على اخلاق الناس! فما من سياسي تلقاه الا رأيته لهيف الجوانح، ذاهب القلب، لا يملك عينه من الدمع، ولا قلبه من الوجد، ولا لسانه من هذه الشكاة.
أضاعوا استقلال البلاد، ووأدوا دستور الأمة، ونشروا بخطلهم على الشعب سوء النبأ!
أجل! يقول كل سياسي هذا الكلام، ويلوم هذا الملام، حتى اولئك الذين قتلوا بأيديهم الدستور أمس، يبكون عليه اليوم بأربعة آماق، لأن الانجليز اكرموه فدفنوه وما من موظف تراه الا حدثك والهم يعتلج في صدره، والأسى يتلظى على وجهه، كيف تحكمت المحاباة في دوائر الحكم، وتفشي التواكل في دواوين الحكومة (فالشهادة العالية) في التعيين زوراً مع التوصية، والكفاية البارعة في الترقية خرق مع الهوى، وحسن العمل في سبيل الحظوة جناية مع سوء الحظ، ثم ترى (الأقلام) غاصة بالكتبة، والمكاتب مكتظة بالأضابير، والوزارات مزدحمة بالسائلين، والمستعجلين، والاوراق الحائرة تنتقل من يد الى يد، وتخرج من مكتب الى مكتب، وترحل من بلد إلى بلد، لأن (التواكل) الماهر قضى على كل كاتب أو حاسب ان يزيح همها عن نفسه، ويخرج حكمها من اختصاصه، فتلبث على هذه الحال بين الحال والترحال شهوراً وسنين، وهي مع الجد لا تستغرق تفكير لحظة وعمل ساعة!
يقول كل موظف هذا الكلام، ويتهم هذا الاتهام، حتى اولئك الطفيليون الذين عينوا لقبض المرتب، وظلوا على الشيوع من غير عمل ولا مكتب وما من أديب تخلو اليه الا نثر عليك دموع الخنساء، ونظم في مسمعيك تشاؤم ابي العلاء، وسألك وهو متبلد من الحيرة، متلدد من الدهش: متى كان البذاء من الادب، والهجاء من النقد، والادعاء من الفن، والتقليد البهيم من العبقرية، والكيد اللئيم من الصحافة؟
كان الأدب سبيلاً بين الله والنفس، وسلاما بين الروح والجسم، ولسانا بين الجمال والحس، ودليلا بين الهوى والخير، ونسبا بين القرابة والبعد، فأصبح كما ترى سببا من اسباب العداوة، وسبيلاً من سبل الفرقة، وبوقا من أبواق الفتنة، ومظهراً من مظاهر الجهالة!
يقول كل اديب هذا الكلام، ويلقي عليك هذا الاستفهام، حتى اولئك السفهاء الذين يلبسون ظلما مسوح الادب، ثم يلتمسون الظهور بالوقيعة في كل من كتب وما من رجل من رجال الدين تجلس اليه الا قال لك ودموع الحسنين تنهل على ردنه العريض انهلال القطر: لم يبق للدين في هذه الدنيا سلطان، ولا للخلق في هذه الفوضى مكان، ولا للفضيلة في هذه المادية قيمة! ولقد استشرى فساد العصر حتى نال من تقوى العلماء فأصبحوا يأنفون من الورع، وينفرون من البساطة، ويتأبهون عن العامة، ويمدون اعينهم لشهوة الحياة، ويذهبون أنفسهم على فتنة الحكم، ويتخلون عن الدعوة الى سبيل الله الى الدعوة الى أهواء الفرد!
يقول كل عالم هذا الكلام، ويهتم هذا الاهتمام حتى اولئك الضعفاء الذين اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا، وجعلوا من نفوسهم الى الباطل سبيلا ودليلا وما من تاجر تعامله او صانع تقاوله، الا ابتدرك بالزراية على الذين نفقوا على الغش، وآثروا على الخداع، وسلبوا ثقة الشعب باسم الشعب باسم الاخوة، وسرقوا مال الجمهور باسم الوطن، حتى جعلوا التجارة والصناعة في ما بينهم وبين الناس معنى من معاني النهب، وحيلة من حيل الشطارة، فانت تدخل المتجر او المصنع وفي حسك لا محالة انك مغبون في السعر، او مخدوع في النوع، او مظلوم في التقدير! يقول ذلك كل تاجر وكل صانع حتى اولئك الذين قضى عليهم موت الضمير ان يصدقوك في البيع ويكذبوك في التسليم، ويعاهدوك على نوع فيغيروه ولا يزيد رجعهم من غشه على مليم!
وهكذا تسمع هذا السخط الحاقد والنقد اللاذع والتعريض الممض والزراية الساخرة من كل لسان في اي طبقة، وفي كل حديث في اي مجلس، فتقف موقف المشدوه بين العجب والغضب وتسأل: اذا كنتم يا قوم جميعا حواريين، فمن الذي خان الوطن بدوانقه الثلاثين؟ كلكم يلوم فمن الملوم؟ وكلكم يتهم فمن المجرم؟ وعظ مالك بن دينار عظة تقاطرت عليها دموع اصحابه، ثم افتقد مصحفه! فنظر اليهم وكلهم من اثر كلامه لا يملك عينه! وقال ويحكم! كلكم يبكي فمن سرق المصحف؟
تعليقات