«مدعو المعرفة» هم أحد أهم أسباب عدم تقدم المؤسسات والشركات.. كما يرى عبد العزيز الكندري

زاوية الكتاب

كتب 565 مشاهدات 0

عبد العزيز الكندري

الراي

ربيع الكلمات- «قصة الحكيم والشاب»

عبد العزيز الكندري

 

«الحق: ما أغراها من كلمة، إنها كالعسل يجذب الذباب والانتفاعيين الانتهازيين، أما الواجب فكلمة لاتجذب إلا النافعين المنتجين، حملة رسالة الحضارة والتقدم». مالك بن نبي

يحكى أن شاباً جاء إلى حكيم ليتعلم منه الحكمة والحقيقة، وأراد الحكيم إكرامه وتقديم الشاي له، وبادر الشاب بالتعريف بنفسه، وذهب يتحدث الشاب عن إنجازاته وبطولاته من دون توقف بصورة فجة وغير مقبولة ومبالغ فيها إلى حد الغثيان، وأخذ الحكيم يصب الشاي من دون توقف إلى أن فاض وانسكب على الأرض ولم يتوقف عن الصب، فتوقف الشاب عن الكلام ليلفت انتباه الحكيم، وهو يقول: ألا ترى الكأس مملوءة بالشاي؟ فقال الحكيم: هذا صحيح، فكما ترى لا يمكن للمرء أن يملأ كأساً مملوءة!

والشاهد أو الرسالة التي أراد الحكيم إيصالها لهذا الشاب الذي يدعي معرفة كل شيء، هو ما دمت أنك مغرور متعالم تدعي معرفة كل شيء لن تستطيع أن تتعلم أو تتقدم خطوة، ولن تستطيع أن تصل إلى سلم النجاح بكفاءة، فيجب أن يكون العقل خاليا من التفاهات والخرافات حتى يستطيع أن يتعلم بشكل سوي وصحيح.

والرسالة الثانية من الحكيم للشاب هي أننا عندما نحب الآخرين ونتمنى لهم الخير ولا نحسدهم أو نعيش ونقتات على الوشاية والكراهية للاطراف الأخرى في سبيل الوصول للسلطة والمنصب؛ حينها نستطيع أن نتعلم.

ودائماً ما تجد المتعالم يتحدث عن الحقوق ويتجاهل الواجبات كما يقول مالك بن نبي، والتعامل مع هذه الشخصيات يحتاج حرصا كبيرا وذلك حفاظاً على نفسياتهم، وايصال الرسائل لهم يكون بطرق غير مباشرة ويكون بها شيء من التواضع.

ومن نافلة القول نقول إن العديد من فرص التعلم تضيع من هذه الشخصيات المتعالمة مثل شخصية الشاب الذي كان في لقاء مع الحكيم، لأنه في نظره لا يحتاج شيئا، وهذا الشخص في الأعمال التي فيها ربح وخسارة أو في القطاع الخاص أو الشركات سيكون وجوده كارثيا على مستقبلهم، لأن أي وجهة نظر لتطوير العمل تعارض أفكاره وآراءه يعتبرها هجوما شخصيا عليه، ودائماً يستخدم الدفاع عن نفسه حتى يثبت صحة كلامه وعدم صحة كلام الآخرين، أو أي فكرة لا تتماشى معه فيعارضها بشدة، ويجند الآخرين معه وليس لديه مشكلة الدخول في صراعات طويلة وأحياناً تكون بالوكالة.

وتقول آمي ريس أندرسون، مؤسسة شركة «ريس كابيتال» إن الأثر الذي يتركه الشخص الذي يدعي المعرفة بكل شيء على زملائه في العمل سلبي جداً، إذ إن وجودهم معه في اجتماع سيدفعهم إلى عدم المشاركة بأفكارهم، وبالتالي إلغاء أي تنوع في وجهات النظر. كما أن الموظف المجتهد في عمله سيحتفظ برأيه لنفسه، وسيفضل عدم الدخول في نقاش عقيم مع مثل هذا النوع من الموظفين، وفي جميع الأحوال سيكون الضرر الأكبر واقعا على الشركة .

ومدعي المعرفة قد تكون لديه مهارات جيدة، ولكن مستقبل ومصلحة الشركة والمؤسسة لا شك أنها أهم بكثير من أي فرد، وللعلم التحدث مع هذه الشخصية لن يكون له أي فائدة وتجنب الدخول في نقاشات جانبية لافائدة منها، لأنه لن يستمع لك أصلاً، وأي ملاحظة سيأخذ هو موقف الدفاع عنها ويشعر وكأنها تهدده، ولا تحاول تغيير مواقفه، وإنما هو فقط يحب المديح له ويرتاح له.

إن «مدعي المعرفة» هو أحد أهم أسباب عدم تقدم المؤسسات والشركات، فهو قاتل لروح المبادرة الموجودة في نفوس الموظفين، ووجوده يحطم ويخرب الانجازات الكبيرة، والأخطر من ذلك هو في هجرة الكفاءة الموجودة نتيجة إحباطها، لأنه يحرم المؤسسة من بيئة صحية تنمو في الحياة بفعالية وانسجام.

 

الراي

تعليقات

اكتب تعليقك