ليس لدينا عالم أو مخترع أو كاتب أو شاعر أو رياضي أو ممثل أو مغن أو حتى سياسي واحد معروف على مستوى العالم..حنان الهاجري تكتب عن عقدة النظر إلى دول الخليج أنها فقط تمتلك المال والنفط
زاوية الكتابكتب يناير 9, 2009, منتصف الليل 642 مشاهدات 0
عقدة الطير الأبابيل
من الأخطاء التي كثيرا ما أكرر الوقوع فيها في مدينة نيويورك هو كشفي عن جنسيتي لسائقي سيارات التاكسي من العرب والمسلمين في المدينة. فأحيانا تخونني الذاكرة وربما يحن قلبي عندما أقرأ أسماءهم معلقة أمامي، فأنسى وعدا كنت قد قطعته على نفسي منذ سنوات بألا أقول انني من بلد خليجي نفطي، وذلك تجنبا للكثير من المواقف والتعليقات غير المريحة. فكم أكره أن يتم تقييمي وتقييم بلدي باستخدام معيار الثروة المادية، ولكنها الحقيقة القبيحة التي لا أملك أن أخفيها، فلسنا نُعرف سوى بالنفط والمال. وليس لدينا عالم أو مخترع أو كاتب أو شاعر أو رياضي أو ممثل أو مغن أو حتى سياسي واحد معروف على مستوى العالم، ولم نبن صرحا حضاريا أو حتى مبنى كونكريتيا واحدا له سمعة عالمية، لذا يعرفنا العالم بالمرفهين الذين يملكون كنوزا لا يعرفون كيف يتصرفون بها. وكان أقسى تعليق سمعته كرد فعل على معرفة حقيقة كويتيتي قد أتى من أحد السائقين الباكستانيين المسلمين الذي لم يستطع أن يمسك لسانه فيقول خيرا أو يصمت. فقد قال لا فض فوه، أن والده كان يعمل في الكويت منذ زمن بعيد كعامل بسيط، وعندما وقع الغزو العراقي الغاشم اسرّ الوالد لأولاده بأحد الأسرار العسكرية الخطيرة التي تتعلق بأسباب غزو الكويت. وهذا السر تفتق عنه ذهن الرجل البسيط من دون مساعدة من أحد! فالوالد المسن هذا كان 'يتمشى' في مطار الكويت الدولي قبل الغزو بأيام معدودة، فرأى فتاة ترتدي تنورة قصيرة، فصاح: الله أكبر. وبعد أن وقع الغزو واحتلت الكويت وعند وصول الوالد (الجنرال حربي متقاعد) إلى مدينته الصغيرة في باكستان، جمع أولاده وأطلعهم على السر الخطير. وبعد أن انتهى السائق من روايته قلت له إن هذه أغبى حجة سمعتها في حياتي، وهي كذلك لا تحمل روح الإسلام وتخالف تعاليمه التي تحرم 'التشفي' أو الشماتة بالمسلمين. وبسرعة البرق تحول الرجل إلى موضع الدفاع، منكرا أن يكون مؤمنا بما قال والده، وأنها مجرد قصة سمعها منه.
مر على هذه الحادثة عام كامل، ولكن لم استطع أن أمحي تفاصيلها من ذاكرتي كما لو كانت قد حدثت بالأمس. فالأمر لا يتعلق بمحاولة تفسير سبب حمل مشاعر الحقد أو الكراهية تجاه العربي أو المسلم الموسر من قبل نظرائه المعدمين أو الأقل حظا على المستوى الاقتصادي، بل إنني أرى الموضوع من منظار آخر، ليس من الجهة الأخرى للمعادلة بل من خارج الإطار بأكمله. إنني أراه يتعلق بثقافة الإحساس بالذنب الدائم ووجوب التكفير عن هذا الذنب عن طريق الابتلاء، لذا تجد القسم الأكبر منا ينتظر أن تحل عليه 'بلوى' ما أن تطيب له الحياة قليلا، أو يستكثر على نفسه إن يسترسل في الضحك أو يعبر عن الفرح، وهو بالمناسبة شعور نتقاسم تفاصيله مع أبناء عمومتنا اليهود، فمن عادة العجائز اليهوديات أن ينهرن الصغار إن هم نسوا أنفسهم وتعالت ضحكاتهم، حتى لا يجلبوا الحظ التعيس على أنفسهم. ونحن نعاني عقدة الذنب ووجوب العقاب، فان سقط حائط في دولة مسلمة قال من قال انه عذاب من الله، وإن حدثت هزة أرضية في دولة أخرى تم نفي كل الأسباب الطبيعية والعلمية وتم التعلق بحجة الغضب الإلهي ونظرية الطير الأبابيل.
الكويتيون ليسوا ملائكة بالتأكيد، وفيهم الصالح والطالح والعادل والظالم، ولكن هل يعقل أن يؤخذوا جميعا بجريرة من ظلم منهم، في حين أن الغالبية العظمي تخاف الله وتلتزم حدوده، وتصل خيراتها إلى مشارق الأرض ومغاربها؟ وينطبق الأمر كذلك على الإخوة الفلسطينيين الذين أخذ بعض من الشعب الكويتي يشمت في مصيبتهم بحجة أن ما يحدث لهم في غزة ما هو إلا 'حوبة' لما فعله بعض من أبناء جلدتهم أثناء فترة الغزو العراقي. الملفت للنظر أن بعضا من أبناء الشعب العراقي كذلك وعبر المنتديات الالكترونية اعتبر ما يحدث لغزة الآن 'حوبة' لأهل العراق بسبب مواقف حماس المؤيدة لصدام من جهة وللزرقاوي من جهة أخرى، ويبدو أن هناك نزاعا عربيا إسلاميا دائما حتى في' الحوبة' ولمن تعود.
ورغم ضياع بوصلة الشامتين الإنسانية فلا بد لنا من إدراك أن ثقافتنا العربية وما شببنا عليه من 'تقاليد إسلامية' خلقت لدينا عقدة ذنب تحركنا وتسيرنا، ومع وجود الإخوة الحاصلين على صكوك المشيخة الدينية بوضع اليد من الفضائيين الجدد، ممن يعظون المسلمين كما لو كانوا 'مجرمي حرب' تجاه دينهم ودنياهم، أصبح الكثير منا يشعر بعقدة نقص، لذا يلجأ إلى هؤلاء الشيوخ الجدد للحصول على فتوى بخصوص كل شيء وأي شيء. وبالطبع فان هؤلاء الأخيرين لا يصدقون خبرا، حتى وإن لم يكونوا متخصصين في المجال الذي يُسألون عنه. فهذه فرصة ثمينة للتدخل في كل شاردة وواردة في حياة الناس، لتتحول الدول المدنية إلى دول دينية تُشعر الناس بأجواء كهنوتية وتلهيهم عن الالتفات لأمور حياتية عظيمة الأهمية، تتعلق بحقوقهم وحرياتهم ومحاولة التلاعب بها من قبل السلطة الحاكمة.
***
دلع المفتي، كاتبة لا تعاني 'عقدة المرأة'، ذات روح شفافة وكريمة. فهي لا تتردد في تشجيع زميلاتها الكاتبات وإظهار استحسانها لما يكتبنه سواء عبر مقالها الأسبوعي أو عبر رسائل البريد الالكتروني. دلع المفتي زميلتي الجميلة التي لم ألتق بها على أرض الواقع بعد.. شكرا لك.
حنان الهاجري
تعليقات