فصل فى الاستباحة...يكنب فهمي هويدي
زاوية الكتابكتب أغسطس 20, 2016, 11:18 ص 371 مشاهدات 0
إذا كان التواصل مع حزب الله يعد تخابرا، فبماذا نسمى التواصل مع الإسرائيليين الذى بات يتم الآن جهارا نهارا؟ خطر لى السؤال حين تناقلت وسائل الإعلام أن أحد المحامين قدم بلاغا إلى النائب العام المصرى اتهم فيه كلا من الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح والسيد حمدين صباحى بالتخابر مع حزب الله أثناء وجودهما فى بيروت أخيرا. وفى البلاغ أن حزب الله منظمة إرهابية (طبقا لقرار الجامعة العربية) الأمر الذى يضع من يتواصل معه تحت طائلة القانون، بحسبانه تخابرا مع منظمة إرهابية.
لا أعرف مصير البلاغ، وهل سيحفظه النائب العام أم سيأخذه على محمل الجد ويأمر بفتح التحقيق فيه. لكنى أعرف أنه ليس الأول من نوعه، ولكن ثمة «سوابق» تطوع فيها نفر من المواطنين الذين أصبحوا يصنفون ضمن الشرفاء ــ تشجيعا لهم ــ باتهام الدكتور أبوالفتوح أو غيره من النشطاء إما بدعم الإرهاب أو بالتخابر مع جهات أجنبية متهمة. وليس معروفا على وجه الدقة ما إذا كانت مثل تلك البلاغات تقدم بوحى وتوجيه من جهات أخرى فى الدولة، اما أنه تطوع من جانب أولئك «الشرفاء» (أكثرهم من المحامين) له دوافع معينة، فى المقدمة منها الذيوع والشهرة. إذ المعروف أن بعض وسائل الإعلام تحتفى بمثل تلك الأخبار لأسباب مفهومة. فضلا عن أن من شأن ذلك تعرف الآخرين على المحامى «الشريف» مقدم الطلب وتكون تلك بداية الترويج للمكتب وصاحبه.
ليس عندى دفاع عن حزب الله، الذى يحسب له شجاعته فى تحدى إسرائيل وإفشال مخططها فى لبنان. ويحسب عليه بذات القدر اصطفافه إلى جانب الرئيس بشار الأسد فى مقاومة ثورة الشعب السورى ومن ثم الاشتراك فى قتل السوريين. وهو ما بدد رصيد الحزب وأساء إليه إساءة بالغة. لكن لدى كلمتين فى الموضوع إحداهما تتعلق بالواقعة والثانية بصداها.
خلاصة الأولى أن الدكتور أبوالفتوح وصاحبه ومعهما السيد الصادق المهدى رئيس الوزراء السودانى الأسبق. دعوا إللمشاركة فى المؤتمر السنوى الذى عقد فى بيروت بالتنسيق بين المؤتمر القومى العربى والمؤتمر القومى الإسلامى. وهو بالمناسبة المؤتمر السابع الذى جرى تنظيمه لمساندة المقاومة والحفاوة بها. إذ سبق له أن عقد دورة لتحية المقاومة اللبنانية وأخرى للمقاومة العراقية وثالثة للمقاومة الفلسطينية، وهكذا. وفى حفل الافتتاح جلس الضيوف الثلاثة على المنصة وإلى جوارهم الأمينان العامان للمؤتمرين السابق ذكرهما. وألقى كل واحد من الضيوف كلمته ثم انصرف إلى حال سبيله. فمنهم من شارك فى بقية الجلسات ومنهم من قضى يومين أو ثلاثة فى بيروت. ومنهم من عاد إلى بلده وكان الدكتور أبوالفتوح من الأخيرين.
لم أجد غضاضة فى أن يجتمع حمدين صباحى مع ممثلين لحزب الله. الذى له شرعيته فى لبنان وله مشاركته فى مجلس النواب والحكومة. ولا أظن أن ذلك يمكن أن يثير حفيظة أحد باستثناء جهتين هما «الأمنجية» الذين يعتبرون أن الأصل فى كل من لا ترضى عنه السلطة أن يظل متهما حتى يثبت العكس. ولا أظن أن حمدين صباحى من هؤلاء، بقدر ما أننى لا أشك فى أنه ينطبق على الدكتور أبوالفتوح. الطرف الآخر هم المتصيدون الذين يتحينون كل فرصة لتجريح المعارضين. سواء لإثبات انخراطهم ضمن زمن زمرة «شرفاء» آخر الزمان. أو للدعاية لأنفسهم ونشر أخبارهم فى وسائل الإعلام المختلفة.
الكلمة الثانية التى تتصل بأصداء الواقعة (سواء حدثت أم لا) فى أوساط أمثال أولئك «الشرفاء» الذين هم ركاب كل موجة وطليعة كل زفة. وللعلم فقط فإنهم يتوزعون على مهن عدة. ووفرتهم مشهودة فى المحيط الإعلامى، حيث تخصص نفر منهم فى تقديم البلاغات ضد زملائهم، ولا ينبئك فى ذلك مثل خبير.
المسألة ليست فى بلاغات كيدية يقدمها هؤلاء، وإنما الذى لا يقل خطورة عن ذلك أن التهم التى يرددونها بجرأة مشهودة ابتذلت مصطلحات مثل التخابر والخيانة والعمالة وإسقاط النظام والإساءة إلى الجيش والشرطة.. إلى غير ذلك من صياغات التكفير السياسى والاغتيال المعنوى والإبادة الثقافية.
هذه التهم شاعت فى وسائل الإعلام وابتذلت بحيث لم تعد تؤخذ على محمل الجد رغم أنها مما يمكن أن يعد تشهيرا يعاقب عليه القانون. ولكن أجواء استباحة الآخر أصبحت تتسامح مع تلك المقولات على جسامتها. وفى إحدى المرات النادرة فإن الدكتور عبدالمنعم أبوالفنوح رفع قضية ضد إحدى الصحف القومية الكبرى لنشرها مقالة حفلت بالافتراءات المماثلة التى كان من بينها اتهامه بـ«الإرهاب» وحين نظرت القضية فإن القاضى لم يجد مفرا من إدانة موقف الجريدة وتغريمها، ٢٠ ألف جنيه تعويضا للدكتور أبوالفتوح الذى استهدفه التشهير.
ما أصاب رئيس حزب «مصر القوية» يظل قطرة فى بحر الاستباحة الكبير، الذى مارست فيه وسائل الإعلام مختلف صور التنكيل والاغتيال الذى استهدف المسجونين ممن ليس بمقدورهم الدفاع عن أنفسهم، خصوصا أنهم يتعرضون لتنكيل أكبر داخل السجون. أشهر هؤلاء الدكتور محمد مرسى ــ الرئيس الأسبق ــ الذى برأته محكمة جنايات القاهرة من تهمة «التخابر» مع قطر فى ١٨ يونيو الماضى. ومع ذلك فإن كتابات «الشرفاء» مصرّة على وصفه بالرئيس الخائن.
نخطئ إذا فصلنا أطروحات استباحة الآخر فى البلاغات الكيدية والكتابات الصحفية عن مجمل الريح السياسية التى تكرس استباحة الآخر بمفهومها الواسع، الذى نجد نموذجا له لحالته القصوى فى سجنى العزولى والعقرب، وفى غير ذلك مما نعرف أو لا نعرف من سجون ومعتقلات. وتلك خلفية تسوغ لنا أن نقول إن اتهام اثنين من السياسيين بالتخابر هو عرض متواضع لمرض جسيم بلغ حالته المتأخرة. لذلك لا ينبغى أن يصرفنا العرض عن كارثة المرض.
الآن - الشروق المصرية
تعليقات