سيهزم داعش لكن فكره سيبقى كما بقي فكر الخوارج.. برأي عبد الحميد الأنصاري
زاوية الكتابكتب يوليو 10, 2016, 11:17 م 355 مشاهدات 0
الجريدة
زوايا ورؤى- ضراوة الإرهاب في رمضان... لماذا؟
د. عبد الحميد الأنصاري
رمضان شهر الخيرات والفضائل والمسرات، شهر الغفران والتسامح والرحمات، شهر تصفد فيه شياطين الجن، لكن شياطين الإنس طلقاء، يعيثون فسادا وقتلاً وتفجيرا وتدميراً، ويزدادون فجورا وعدوانا، لا يعرفون حرمة للشهر الفضيل، ولا قدسية لبيوت الله تعالى، ولا عصمة للنفس التي حرم الله تعالى قتلها.
رمضان هذا العام كان الأكثر ترويعا، إذ ضرب الإرهاب مدنا عديدة، بل تجرأ ووصل إلى مدينة الرسول، صلى الله عليه وسلم، ازداد الإرهاب ضراوة في هذا الشهر الفضيل، وخصوصاً في العشر الأواخر التي يجدّ ويجتهد المسلمون في العبادة، وتحري ليلة القدر التي هي سلام حتى مطلع الفجر، وطال العديد من مدن وعواصم الدول العربية والإسلامية: بغداد، القاع بلبنان، عمان، المنامة، الرياض، القطيف، جدة، المدينة المنورة، إسطنبول، دكا، وتمكنت الكويت من إحباط ثلاث عمليات إرهابية، كما نجح الأمن الجزائري من إجهاض عملية إرهابية على مجمع تجاري، وكان التفجير الانتحاري الذي نفذه 'داعش' في حي الكرادة المكتظ ببغداد وأسقط 213 ضحية بريئة، هو الأكثر دموية، والتفجير الإرهابي الذي تجرأ على الحرم النبوي الشريف، بمرآب السيارات، ساعة الإفطار، وأسفر عن استشهاد عدد من رجال الأمن، كان الأكثر خسة ونذالة، أما قتل الأم على يد ابنيها الإرهابيين بالرياض، فقد كان الأكثر بشاعة وألما، وقتل داعش بنغلادش 20 إيطاليا ويابانيا بمطعم بدكا، ذبحوا ذبحا، كان الأكثر وحشية.
لماذا تتصاعد الجرائم الإرهابية، في رمضان؟! ولماذا ازدادت ضراوة في رمضان هذا العام؟!
1- التنظيمات الإرهابية عامة، و'داعش' خاصة، تنشط في رمضان انطلاقا من أنه شهر الجهاد، وهي بمفهومها العدواني المشوه للجهاد، تعتقد أن جرائمها الإرهابية، نوع من الجهاد والاستشهاد الموصلين للجنة، هؤلاء الذين طبع الله تعالى على قلوبهم وأعمى بصيرتهم ووصفهم: بالأخسرين أعمالا، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
2 - تنظيم داعش اليوم، بعد الضربات القاصمة لظهره في مواطنه الحصينة، الفلوجة والرقة، في حالة تصدع وانهيار سريع، وقد فاقت سرعة الحملة على الفلوجة التوقعات، وها هو داعش اليوم يخسر في العراق، ويخسر أكثر فأكثر في سورية، ولذلك كان رد فعله أكبر وانتقامه أعظم، وهذا يفسر شدة عنف جرائمه، إذ نفذ 8 عمليات انتحارية في يوم واحد في بلدة القاع الحدودية، إضافة إلى ضراوة عملياته الأخرى، شبه المتزامنة في بغداد ومطار أتاتورك والأردن، المنبئة بشدة آلام الضربات الموجعة التي يتلقاها اليوم، والتي تدل على نهاية داعش الوشيكة، مما يوجب على الأجهزة الأمنية في دولنا، المزيد من الحذر، لأن داعش، وهو في هذه الحالة، سيعمد إلى شن مزيد من الخبطات العشوائية، في مناطق ودول لم تكن مستهدفة من قبل، عبر تنشيط الخلايا النائمة، والذئاب المنفردة، لارتكاب عمليات إرهابية تستهدف المدنيين، وبخاصة في المناطق الرخوة، بهدف إحداث حالة من الرعب، والتعويض النفسي عن الخسائر، والتظاهر بأنه لا يزال في موقع قوة، وما جريمة أورلاندو ببعيدة.
ختاما: سيهزم داعش هزيمة نكراء، ويقتل منه خلق كثير، ومن نجا منه فسيولي الأدبار، لكن فكر داعش فكر الإرهاب، فكر التكفير، فكر التطرف، سيبقى كما بقي فكر الخوارج، في مخابئ وجيوب هنا وهناك، وذلك هو الخطر الكبير، ما لم نواجهه مواجهة شاملة ومتكاملة سياسيا وثقافيا واجتماعيا وإعلامياً، ونعلن قطيعة معرفية مع الفكر المتطرف، تقوم على تطوير المناهج التعليمية، وتجديد الخطاب الديني، والانفتاح على الثقافات والفنون والآداب، وإشاعة تربية الفرح وحب الحياة وتذوق الموسيقى في نفوس أولادنا، وغربلة التراث من الإرث التعصبي، ومواجهة قنوات التحريض، وإبعاد دعاة الكراهية عن منابر التوجيه، وضبط الفتاوى المكفرة، ومنع توظيف المساجد في غير أهدافها المشروعة، وإعادة صياغة مفاهيم الجهاد والأمر بالمعروف والولاء والبراء، وفق منظور إنساني تسامحي، والإقلاع عن عادة لوم الآخر وأوهام التآمر، وتفعيل ثقافة نقد الذات، مصداقا لقوله تعالى وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم
تعليقات