خطب حملات الرئاسة الأميركية تبعث على القلق.. بوجهة نظر خلف الحبتور

زاوية الكتاب

كتب 434 مشاهدات 0

خلف الحبتور

السياسة

الرؤساء الأميركيون يتقلبون في قبورهم

خلف الحبتور

 

شعرت بقلق عميق لدى سماعي خطب الحملات التي ألقاها جميع المرشحين تقريباً للبيت الأبيض، إلى درجة أنني أخاف على مستقبل القوة العظمى وأخشى التأثير الذي يمكن أن تمارسه أميركا على العالم في حال أصبحت انعزالية تحرّكها سياسة الكراهية. نادراً ما حوصر عالمنا بهذا القدر الكبير من التهديدات والتحدّيات. يبدو لي أن القيادة الأميركية المستندة إلى القيم تشكّل الآن حاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى. إذا عزلت أميركا نفسها عن العالم ووصِمت شرائح واسعة من البشرية بالعار بسبب دينها أو عرقها، سوف يسارع منافسو الولايات المتحدة الجيوسياسيون الانتهازيون والسلطويون إلى سدّ الثغرة. كانت الولايات المتحدة تسمّى في ما مضى «شرطي العالم»، إلا أنه نادراً ما تُستخدَم هذه العبارة منذ تسلّم الرئيس أوباما دفّة الحكم. يُنظَر إليه بأنه ضعيف ومتردّد في السياسة الخارجية. أخشى أن يثير خلفه عداء الشركاء التقليديين لواشنطن فيُحدث خللاً في التوازن الذي تسعى الولايات المتحدة إلى الحفاظ عليه، ما يؤدّي إلى فقدان الثقة بالولايات المتحدة والخوف منها أكثر منه احترامها والإعجاب بها. قبل بضعة أيام، تمعّنت من جديد في كلام وأطباع المرشحَين المفترضين لرئاسة الولايات المتحدة، ولم يعجبني أبداً ما استنتجته. تثير أسماء المرشحين للرئاسة الأميركية التوجّس والقلق – لا سيما في هذه المنطقة من العالم – وذلك لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة. يشعر عدد كبير من الناخبين الأميركيين بأن آفاق الخيار مسدودة أمامهم؛ ومنهم الممثّل الهوليوودي هاريسون فورد. فقد انضم إلى حملة «لا أحد لمنصب الرئيس» عبر مواقع التواصل الاجتماعي. لا يعني ذلك أن جميع الرؤساء الأميركيين كانوا قدوة ومثالاً يحتذى، لكن باستثناء حفنة قليلة من الرؤساء، لا سيما ريتشارد نيكسون (فضيحة واترغيت)، وليندون ب. جونسون (فيتنام)، وجورج دبليو بوش (حروب كارثية غير ضرورية)، كان الرؤساء الأميركيون يتمتعون بخصال قيادية استثنائية ونوايا شريفة. لا يسعني سوى التساؤل: كيف كان الآباء المؤسسون للولايات المتحدة وألمع رؤسائها ليشعروا لو أدركوا الحضيض الذي انحدر إليه السباق الرئاسي الذي تطبعه الإهانات الشخصية وخطاب الكراهية، وهي نزعة مقيتة انتقلت أصداؤها إلى الاستعدادات التي تسبق الاستفتاء على الاتحاد الأوروبي في بريطانيا الذي تحوّل أيضاً إلى مبارزة كلامية حادّة تُطلَق فيها أفظع النعوت. لم تبرح هذه الأفكار ذهني ووجدت نفسي لاحقاً أتخيّل حديثاً بين ثلاثة من أعظم الرؤساء الذين عرفتهم أميركا، جورج واشنطن وأبراهام لينكولن اللذين ناضلا من أجل توحيد أمتهما الوليدة، وثيودور روزفلت، الرجل المثقّف الذي تخطّى معوّقاته الجسدية ليصبح محارباً من أجل بلاده بكل ما للكلمة من معنى. كانوا أصحاب مبدأ يتحلون بالشجاعة والإقدام. وكانوا يعملون بحسب مبادئهم ومعتقداتهم ويتمسّكون بالأخلاقيات الراسخة. لم يكونوا متقلّبين في السياسة؛ ولم يستخدموا شعارات مكرّرة أو يطلقوا تصريحات الهدف منها استغلال مخاوف الناخبين وبالتأكيد لم يحرّضوا الحشود على العنف أو يسخروا من ذوي الإعاقات. كانت نظرتهم إلى أميركا ملاذاً للمظلومين والفقراء والمضطهدين حول العالم إلى أي جهة انتموا. قال جورج واشنطن: «تعامَلوا بعدل وحسن نية مع جميع الدول. وعيشوا بسلام وانسجام مع الجميع». وقال أبراهام لينكولن إنه يحلم بـ»مكان وزمان حيث يُنظَر إلى أميركا من جديد بأنها بارقة الأمل الأخيرة على وجه الأرض»، وكان ثيودور روزفلت يعتبر أن «اللطف سمة الأكابر تماماً مثل الشجاعة». أنا على يقين من أنهم لو كانوا على قيد الحياة اليوم، لأعربوا عن اشمئزازهم من تبادل الإهانات بين المرشّحين، والطعن في الظهر، والحيَل القذرة، وسياسات التعصب. لقد اضطلع هؤلاء وكثر ممن جاؤوا بعدهم، مثل جون ف. كينيدي وجيمي كارتر وبيل كلينتون، بدورهم كحاملي لواء الحلم الأميركي ومدافعين عنه بالوقار الذي يستحقه هذا المشروع المدهش. لقد أدّى كل منهم، على طريقته، دوراً أساسياً في جعل أميركا منارة للعدل والحرية. أين هم المرشحون المحترمون والملهِمون الذين يحبون بلادهم أكثر من أنفسهم؟ أظهر كينيدي قوته وشجاعته خلال أزمة الصواريخ الكوبية. كان كارتر ولا يزال يكترث بصدق لأمر الفقراء، وسوف تنطبع ذكراه إلى الأبد بأنه كان صانع سلام. أجاز كلينتون استخدام القوات الأميركية في حرب عادلة لوقف التطهير العرقي الذي مارسه الجيش اليوغوسلافي بحق الألبان في كوسوفو، وأتاحت سياساته الاقتصادية للبلاد تحقيق فائض كبير في الموازنة وصل إلى 280 مليار دولار. نكاد ننسى أن النور الأميركي الفريد الذي يضيء كوكبنا يسطع من خلال الطاقة والابتكار اللذين يتمتّع بهما المجتمع الأميركي متعدد الثقافات حيث التقى أشخاص من أعراق وأديان مختلفة حول علم واحد، ويعتزّون بأنهم «أميركيون». كانت نيويورك لتتحوّل مدينة عادية ورتيبة من دون تشايناتاون وكورياتاون وليتل إيتالي وليتل أوديسا وليتل إنديا. وكانت لوس أنجلوس لتصبح مدينة من لون واحد لولا جيوبها العرقية، وكانت معالم ميشيغان لتتبدّل تماماً لو لم تكن تضم جاليات أميركية-عربية مزدهرة. زيارة أميركا أشبه بالقيام بجولة على العالم بأسره. الحمد لله أن الرؤساء الأوائل لم يسعوا إلى نصب الجدران أو إقامة الحواجز في وجوه الوافدين الجدد الأكفياء الذين كانوا يتطلعون إلى شق طريقهم نحو الأعلى. إنها لمفارقة أن الضجيج الأكبر يصدر عن أشخاص هم أنفسهم أولاد أو أحفاد مهاجرين. ألا يخجلون؟ لا حاجة إلى جعل أميركا عظيمة من جديد. أميركا عظيمة لسوء الحظ، أستشعر أننا سنكون أمام منزلق خطير بعد 20 يناير 2017، موعد تنصيب الرئيس الجديد. أياً تكن هوية الرئيس العتيد، عليه أن يتذكّر أن «البيت المنقسم على نفسه لا يُكتَب له الصمود» بحسب التحذير الذي أطلقه الرئيس لينكولن الذي يحتل، في نظري، الصدارة بين جميع الرؤساء الأميركيين.

السياسة

تعليقات

اكتب تعليقك