داهم القحطاني في قراءة موسعة: الحركة الدستورية .. الإخفاقات والتحديات
زاوية الكتابكتب يونيو 22, 2016, 6:28 م 2563 مشاهدات 0
أعد الكاتب داهم القحطاني قراءة موسعة حول قرار الحركة الدستورية الإسلامية العودة للمشاركة في الانتخابات البرلمانية تنشرها جريدة (( الآن )) بشكل حصري .
وفيما يلي نص القراءة :
الآن وقد شهدت غبقة الحركة الدستورية الإسلامية التي عقدت أمس في ديوان النائب السابق ناصر الصانع حضورا رسميا على مستوى عال ومن ضمن ذلك حضور نائب وزير الديوان الأميري ورئيس مجلس الأمة وشيوخ ونواب ووزراء ومسؤولين وسفراء نستطيع القول أن الحركة تجاوزت الأصعب في الأزمة التي واجهتها منذ إسقاط المحكمة الدستورية لمجلس الأمة يونيو 2012 والذي كانت تشكل الحركة جزءا فاعلا في تركيبته , ومنذ أيضا إسقاط الرئيس المصري السابق محمد مرسي عبر انقلاب عسكري وتحرك شعبي مضاد لتيار الإخوان المسلمين وبدء حملات حكومية رسمية من بعض دول المنطقة تستهدف أي توجه إخواني في الإقليم ومن ضمن ذلك التيار ذي التوجه الإخواني في الكويت متمثلا في الحركة الدستورية الإسلامية , وجمعية الإصلاح الاجتماعي .
وحتى لا يسرف البعض في الحركة الدستورية في التفاؤل ويعتبر أن هذا الترحيب بعودتها للعمل السياسي المؤسسي أتى نتيجة قوة وصلابة وحكمة الحركة نورد هذه القراءة بهدف النقد لأداء الحركة طوال فترة هذه الأزمة وهو نقد لم يكن ليوجه بهذا التوسع في فترة ضعف الحركة .
ما هي أخطاء الحركة على وجه التحديد ؟
لا يمكن القول أن دعم الحركة للحراك الشعبي يعتبر خطأ بحد ذاته فهذا ما يفترض أن تكون عليه التيارات السياسية لكن هذا القرار يرتبط بأمور عدم من ضمنها :
- درجة هذا الدعم للحراك الشعبي يجب أن تتحدد وفقا للظرف الموضوعي الآني للقضايا التي يتبناها الحراك , والحركة في هذا الشأن قدمت دعما مطلقا لقضايا الحراك أملا في كسب الشعبية التي تضمن وصول عددا من سياسييها لمجلس الأمة في فترات لاحقة في حال تم رجوع النظام الانتخابي القديم .
وهذه السياسة جعلت الحركة في نهاية المطاف تتحمل المسؤولية كاملة عن حراك شعبي لا تقوده فعليا ولا تؤثر فيه بدرجة عالية.
ولم ينفع التبرير في أول الأمر بأن الحركة إذا ما تركت القيادة لمنظومة أكبر منها ككتلة الأغلبية البرلماني أو كائتلاف المعارضة ( تأسس مارس 2013 وانتهي عمليا أغسطس 2014 ) فأنها ستكون في منأى عن دفع الكلفة كاملة لهذا الحراك .
وواقع الحال أن الحركة الدستورية أغفلت هنا أمرين في غاية الأهمية أولهما :
أن الظرف الإقليمي المعبأ بالأصل ضد اي تيار إخواني لم يكن مناسبا لتكون جزءا من حراك شعبي حرق كل جسور التواصل مع السلطة وقرر تنفيذ الإصلاح وفق رؤية لا تعتمد النظام البرلماني كوسيلة بعد أن رأى هذا الحراك أن تغيير النظام الانتخابي جعل البرلمان غير مؤثر لأنه سيأتي وفق إرادة ورغبة السلطة .
وثانيهما أن السلطة والمراقبين والمحللين والكتاب يدركون أن الحركة الدستورية هي الوحيدة من بين مكونات إئتلاف المعارضة التي لديها القدرة على اتخاذ أي قرار وفق تحرك مؤسسي لهذا فهي مسؤولة لديهم بشكل واضح عن أي تحرك تقوم به أو تشارك فيه , ولا يمكن تعويم ما تقوم به الحركة من مواقف بنسبه لإئتلاف المعارضة أو كتلة الأغلبية البرلمانية .
إذن كان يمكن للحركة أن تشارك في هذا الحراك الإصلاحي بقدر من التحفظ تجاه مواقف معينة صدرت عن قوى المعارضة والحركات الشبابية المؤيدة لها غلب عليها الطابع العشوائي والانفعالي , وهو أمر ما كان يجب أن تقع فيه الحركة وإلا فأين القدرة على التنظيم واتخاذ القرار المؤسسي الذي تتصف به الحركة كتنظيم سياسي ؟ .
مواقف غاب عنها القرار المؤسسي
ومن المواقف التي غابت عنها قدرة الحركة على اتخاذ القرار المؤسسي :
المشاركة في ندوة ' كفى عبثا ' رغم أن الظرف المحلي لم يكن مناسبا حيث كانت تعقد القمة الأولى لمنتدى حوار التعاون الآسيوي, ورغم نقل طلب من السلطة عبر المستشارين في الديوان الأميري النائب محمد ضيف الله شرار ورئيس الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية عبدالله المعتوق بتأجيل الندوة إلى حين انتهاء القمة .
هنا كان يفترض أن يكون للحركة دور مؤثر في اتخاذ القرار المناسب وعدم الانسياق لانفعالات وحماس الشارع خصوصا الحركات الشبابية .
ولو قامت الحركة حينها برفض المشاركة تقديرا لظروف انعقاد القمة مع تأكيد تأييدها لمطالبات الشارع لكسبت احترام الكثيرين بمن فيهم المراقبين للحركة كتيار سياسي مؤسسي ومنظم , خصوصا أن غالبية المواطنين ومنهم ممن كان يؤيد الحراك الإصلاحي يقرون بأن رفض طلب الديوان الأميري كان خطأ كبيرا ساهم في تحويل مسار الأحداث وتسريع تغيير النظام الانتخابي .
وأيضا من المواقف التي غابت فيها قدرة الحركة على اتخاذ القرار المؤسسي :
مشاركة الحركة في المظاهرات التي تم تنظيمها في المناطق السكنية أو الأسواق العامة عبر حساب ' كرامة وطن ' في تطبيق تويتر وهو حساب لا يعرف من حيث الظاهر من يديره وإن كانت ترددت معلومات بأن من يديره مجموعة من الناشطين من ضمنهم من هم محسوبين على الحركة .
ولم تكن الحركة مضطرة لأن تصدر في يوليو 2014 بيانا يؤيد المشاركة في مسيرة كرامة وطن 8 خصوصا أن المسيرة خرجت عن هدفها المعلن وتحولت إلى مسيرة تحمل شعار إسقاط القضاء وفقا لرغبة أصحاب حساب كرامة وطن غير المعروفين .
هذا البيان يعبر في حينها عن عشوائية اتخاذ القرار في الحركة وخضوعها لضغوط الشارع , وتحييد أغلبيتها لصوت الحكمة الذي صدر عن بعض أعضاءها .
ولعل مهاجمة رئيس مجلس الأمة السابق أحمد السعدون لحساب كرامة وطن ولمسيرة كرامة وطن 8 في حينها وضعت الحركة في موقف محرج ما كانت لتقع فيها لولا بيانها الذي صدر بشكل متسرع فإنتقاد هذا الحساب وهذه المسيرة يأتي من أبرز حلفاء المرحلة .
مشاركة الحركة عبر سياسييها في هذه المظاهرات غير المرخصة في المناطق السكنية والأسواق العامة نقلت الحركة من كونها تنظيم سياسي يلتزم بالقانون وبالنظام إلى جزء من حراك إنفعالي يخرج باللعبة السياسية عن قواعدها ويحاول هزيمة الخصم عبر أساليب سببت الضرر للمواطنين والمقيمين ولم تحقق أي فائدة مرجوة للحراك الشعبي .
كما أن هذه المشاركة سهلت على خصوم الحركة الدستورية مهاجمتها والنيل منها عبر تقديمها كتيار انقلابي يستهدف السلطة وهو إتهام وإن كان مشبوها وخاطئا إلا أنه أستغل وبنجاح كبير من قبل التيارات السياسية المناوئة للحركة .
ولو قامت الحركة في حينها برفض مثل هذه المظاهرات وحصر التحركات الشعبية في ساحة الإرادة لحيدت كثيرا من الاتهامات التي وجهت إليها , ولما اضطرت لتحمل تبعات مواقف وقرارات لم تكن هي الصانع الرئيسي لها .
صراع الأجنحة في الحركة
بالطبع السبب في عدم اتخاذ الحركة للقرار الأنسب أنها كانت تعيش صراع أجنحة ناعم إذ كان هناك من قيادييها من يدفع لأن تكون الحركة في مقدمة الحراك الشعبي لأن المكاسب ستكون كبيرة ومن أهمها ضمان الفوز في الانتخابات البرلمانية إذا ما تم التراجع عن مرسوم الصوت الواحد , في حين لم يستطع منظرو وسياسيو الحركة من الجناح المعتدل فرض تصورهم لأن صوت الشارع الإنفعالي كان مسموعا جدا لدى من يسيطر على آليات اتخاذ القرار في الحركة .
الإخفاق الكبير للحركة الدستورية كان في قرار مقاطعتها للانتخابات البرلمانية التي جرت يوليو 2013 رغم أن المحكمة الدستورية قررت في قرار لها دستورية نظام الصوت الواحد الانتخابي ما نزع من المقاطعة الانتخابية أهم أسبابها , فبعد قرار المحكمة الدستورية كان واضحا أن بعض القوى السياسية والمجتمعية المقاطعة ستعود للمشاركة في الانتخابات ما يجعل السلطة تشعر أنها تجاوزت الأصعب , وأن المقاطعة لم تعد مؤثرة شعبيا , كما أنه كان واضحا أن السلطة ستبدأ في خلق تفاهمات وربما تحالفات جديدة مع القوى السياسية المؤثرة في مجلس 2013.
إضافة لتواتر أنباء شبه مؤكدة عن محاولات تم الترتيب لها بخفاء من قوى معارضة مؤثرة للمشاركة في انتخابات 2013 تحت شعار ' التحدي لإسقاط مرسوم الصوت الواحد ' إلا أنها محاولات تم إجهاضها عبر قيام السلطة بحملة ملاحقات قضائية لقوى المعارضة وللقوى الشبابية , وعبر تصعيد الإجراءات الأمنية في التظاهرات والتجمعات التي نظمتها قوى المعارضة ما جعل التراجع عن المقاطعة يصور كما لو كان خيانة للحراك الشعبي .
كل ذلك كان يمكن أن يكون مدخلا للحركة الدستورية كي تعود للانتخابات لعدم وجود بديل آخر , ولأن قرار المشاركة سيأتي ولو بعد حين ,ولكي تتجنب الحركة مجموعة من الإجراءات القاسية التي كلفتها الكثير ومن ضمن ذلك المناصب القيادية التي كانت تهمين عليها .
كما أن الحركة ذات الفكر الإخواني كانت تحتاج وبعد إسقاط الرئيس المصري محمد مرسي وبدء حملة التحريض ضد أي فكر إخواني , كانت تحتاج للتهدئة مع السلطة , وكانت تحتاج أيضا لوسائل برلمانية تحمي فيها وجودها كحركة وكفكر من حملة الإجتثاث التي بدأت بالفعل عبر تيارات سياسية ناشئة وعبر سياسيين طارئين أصبح صوتهم مسموعا جدا في تلك المرحلة.
مقاطعة الإنتخابات البرلمانية 2013 كانت بالفعل خطأ كبيرا وقعت فيه وبإمتياز المعارضة الكويتية ومن ضمنها الحركة الدستورية فإبعاد قوى المعارضة الإصلاحية عن الآليات البرلمانية كان بالفعل فخا كبيرا لا يعقل ألا تنتبه له حركة سياسية يفترض أنها عريقة كالحركة الدستورية .
لكن غابت الحكمة عن الحركة فغاب القرار المؤسسي .
تحديات المرحلة المقبلة
ومنذ العام 2013 إلى حين إعلان الحركة الدستورية في بيان 26 مايو 2016 عودتها إلى المشاركة في الانتخابات البرلمانية عاشت الحركة قيادات وقواعد وكوادر ومؤسسات فترة عصيبة جدا كانت الحركة تتلقى فيها الضربة تلو الأخرى , وتفقد جزءا كبيرا من قدرتها على المبادرة ما جعلها في وضع ضعيف ومحرج .
ولولا ظروف الإقليم المتدهورة نتيجة لتنامي الهينمة الإيرانية في المنطقة ورغبة السلطة في إبقاء الفكر الإخواني في الكويت وعدم إجتثاثه كما تم في دول أخرى لكانت الحركة الدستورية في خبر كان كما يقال , وهو أمر يجب أن تنتبه له الحركة فسوء الأداء خلال السنوات الأربع الأخيرة رغم نبل الأهداف إشكالية يجب ألا تتكرر ويجب أن تخضع لضوابط صارمة لا تخضع لحالة إنفعالية , أو رغبة محددة لسياسيين قد يؤثر طموحهم الإنتخابي سلبا على الحركة الدستورية كتيار سياسي مؤسسي ومنظم .
وفي المقابل يسجل للحركة ولمكتبها السياسي الذي انتهت مدته ابريل 2016 أنها استطاعت أن تصمد أمام حجم الضغوط المحلية والإقليمية الهائلة والتي تطلب التعامل معها جهدا غير عاديا فمجرد الحفاظ على وجود الحركة كتيار سياسي قائم كان نجاحا يسجل للمكتب السياسي فحركات سياسية عدة ذات توجه إسلامي وعلماني وقومي وليبرالي داخل الكويت وخارجها واجهت ظروفا أقل صعوبة ومع ذلك واجهت الإنهيار أو الإنشقاق الداخلي .
ويرجع هذا التماسك إلى الآليات المنظمة لعمل الحركة حيث استطاعت أن تدير أي خلاف داخلي تجاه سياسات الحركة من دون خروج ذلك للعلن والتسبب في تصدع الحركة , كما أن مؤتمرات الحركة واجتماعات مجالسها في المحافظات تتيح احتواء الآراء المعارضة وتتعامل معها بشكل جدي , ويأتي قرار العودة عن المقاطعة تأثرا بعوامل عدة منها الآراء المعارضة لهذه المقاطعة التي استطاعت أن تنجح أخيرا في تغيير الكفة لصالح المشاركة .
الخلاصة
الحركة الدستورية الإسلامية تعرضت خلال السنوات الأربع الماضية لهزائم سياسية عدة إلا أنها انتصرت في معركة البقاء رغم أن الوضع الإقليمي كان مرعبا لها , ولولا تعامل السلطة في الكويت مع الأوضاع المحلية والإقليمية بهدوء وحكمة وقسوة ودهاء ووفق إرث تاريخي منفتح لما نجحت الحركة حتى في معركة الوجود , ما يتطلب أن تقوم الحركة بإجراء دراسة موسعة , وحلقات نقاشية مغلقة للاستفادة من أخطاء هذه المرحلة , وضمان عدم تكرارها , وتضمين ذلك النهج في الآليات المنظمة الحركة خصوصا أن الحركة سبق لها أن نظمت لقاءات مفتوحة مع المواطنين وأعضاء الحركة شهدت مستوى عال من الشفافية في مناقشة ونقد أداء الحركة .
تعليقات