أغلب المجتمعات العربية تعاني اليوم من جمود تنموي بسبب التعليم.. بوجهة نظر ناصر المطيري

زاوية الكتاب

كتب 559 مشاهدات 0

ناصر المطيري

النهار

خارج التغطية-إشكالية العجز التعليمي

ناصر المطيري

 

أغلب المجتمعات العربية تعاني اليوم من جمود تنموي، وتراجع حضاري وأزمة أخلاقية وتفشي الفساد في مفاصل الدول وانتشار روح المحسوبية، مجتمعات تمزقها نزعات مذهبية، ويتغلغل التطرف الفكري والديني في صفوف مواطنيها..

ولو بحثنا في أصل كل تلك المشكلات الواقعية لوجدنا أن أساسها هو أزمة تعليم وتربية، فالتعليم هو القاعدة التي ترتكز إليها كل أركان الأمة..

لن أقف عند مناهج التعليم، فقد أبصرتها أعين الخبراء وحددوا عللها، واقترحوا علاجها، والذي يمكن تلخيصه في طغيان تلقين المعلومة على اكتشافها، والاعتناء بالكم على حساب الكيف، وضعف روح البحث والتعلم الذاتي، إلى آخر ما قد وصفه التربويون، وآمنت به جهات التربية، ولكني أريد أن انوه، بالعجز والقصور والتقصير، اللامحدودين في جانب التربية، إذ يمكن القول جزما بأنه لا يوجد للتربية منهاج أصلاً، وما يوجد من عظات ونصائح لا يشكل شيئا من منهج، ولو كانت ساعات التعليم عشرا، فإن ما للتربية منها لا يزيد على الدقيقة. وهي -التربية- متروكة للدافع الذاتي للمعلم، وهمه الشخصي بها، فلا يوجد منهج مدروس ومبرمج، ذو أهداف سلوكية مرصودة، ابتداء من أبسط قواعد السلوك واللياقة، إلى أعمق الخصال النفسية والأخلاقية، فليست هناك تربية..

التلميذ طفلاً وفتى وشاباً، يسمع ويمارس أنواع السباب، وسوء الأدب، وإيذاء الآخرين، وسوقي التصرفات، وإهدار الوقت، وغياب الهدف، وعدم القدرة على التخطيط لنفسه. وضع مزرٍ على مستوى الأخلاق الاعتيادية الضرورية، فما بالك بالكمالات النفسية والعقلية، عوضاً عن كمالات الروح. الوضع التربوي مأساوي بكل معنى الكلمة. إنّ مناهجنا التعليميّة بعيدة كل البعد عن تدريب أبنائنا على ما يصلحهم من الأخلاق والمبادئ، والابن غير المدرب هو غوغائي لا يعرف معنى الحياة ولا يفقه أصولها، هل نربي أبناءنا وندربهم على قبول المنافسة مهما كانت أنسابهم وأحسابهم ؟ هل نعلمهم نبذ التفرقة الطبقية وإلغاءها إلغاءً تاماً، وأن المراكز يجب أن تسلم إلى المتفوقين، وإن كانوا أقل شأنا ومالا في المجتمع ؟ وهل نربيهم على التحلي بالأخلاق الحسنة؟ وبجمال النفس وطهارة الروح؟ لا التحلي بالزينات الثمينة الفارغة ؟ وهل ندربهم على قواعد اللياقة والسلوك المحتشم؟ وهل ندربهم على عدم التفاخر والتبجح والتباهي والتكبر؟ وعدم التظاهر بصورة سوقية؟ وندربهم على مسلك السلوك المهذب الحقيقي في الفكر والقول والفعل ؟

وهل نعلمهم وندربهم على العمل من أجل سعادة الجميع لا من أجل سعادتهم فقط ؟ و إن عليهم في الوقت الذي يسعون فيه لتثبيت أقدامهم في المجتمع، أن يسعوا لتثبيت أقدام الآخرين، ليكسبوا محبة الناس ومحبة الله.

هذه نماذج محدودة، من المنهاج الأخلاقي والسلوكي، الذي يجب أن تربى عليه أجيال الأمة، وأن تطور على ضوئه التربيّة، وإلاّ فإن أجيال الشباب التائه ستظل تعوق الأمة وتفقرها وتزيدها عجزاً.

 

النهار

تعليقات

اكتب تعليقك