يدل على مدى الخراب الذي وصلت إليها الثقافة المجتمعية.. هكذا يرى فهد الصباح 'واقعة النعال'

زاوية الكتاب

كتب 451 مشاهدات 0

فهد الصباح

النهار

رأي اقتصادي-«موقعة النعل» ... هل هذا عنوان المجتمع حالياً؟

فهد داود الصباح

 

لا تفسير لموقعة «النعل» في مجلس الأمة الأسبوع الماضي غير أنها نموذج واقعي عن الثقافة التي أصبح عليها مجتمعنا، ومخرجات الانتخابات القائمة على تقديم الخدمات مقابل الاصوات، اذ لم يسبق للمجتمع الكويتي ان شهد كارثة أخلاقية من هذا النوع طوال حياته الديموقراطية التي شارفت على القرن إذا اخذنا بعين الاعتبار مرحلة ما قبل الدستور، وانتخابات مجلس الشورى، وما سبقها من تقاليد في العلاقة بين مؤسسة الحكم والشعب، فهي كلها كانت تقوم على مبدأ مبسط، او فهم متناسب مع عصره وطبيعة المجتمع في ذلك الوقت للديموقراطية.

إن التغيرات التي طرأت على السلوك الاجتماعي الكويتي، خصوصا في مرحلة ما بعد التحرير تركت آثارها على لغة التخاطب اليومي بين الناس، خصوصا بعد الاستخفاف بالعنف المدرسي الذي يترجم حقيقة الثقافة الاجتماعية السائدة، فالمؤسسات المعنية كافة في الدولة تجاهلت التحذيرات والإشارات التي صدرت عن دراسات عدة أجريت على المدارس الكويتية بشأن العنف فيها، وللمفارقة ان مجلس الأمة ذاته أجرى بعض هذه الدراسات إلا أنها كما كل الدراسات الاخرى أهملت ووضعت في الأدراج.

إن النعرات الطائفية والقبلية التي صاحبت الخطاب الانتخابي للمرشحين في ربع القرن الأخير كانت من الأساس تدل على تحولات جذرية في المجتمع، فهي التي حدّدت مثلا الاقتراحات النيابية فيما يتعلق بالقوانين والتعيينات في الإدارات الرسمية، وهي أيضا التي حددت من يُلقى القبض عليه ويعاقب أو يفلت من العقاب... نعم فالوساطات النيابية وتدخلات المتنفذين فيما يتعلق حتى بالمخالفات المرورية، إنما كانت تدل على أن مصلحة النائب أصبحت أكبر من مصلحة الوطن، المصلحة الفردية أصبحت أكبر من أي تهديد، أضف إليها عدم وعي المواطن ماذا تعني المواطنة، خصوصا إذا تعلقت المسألة بالصلات القبلية واستخدام الجانب السلبي منها في العلاقة بين المواطن والدولة، بمعنى تكريس الواسطة في التعاطي معها، وليس إعلاء شأن القانون ليكون الحكم بين الناس.

من البديهي أن لكل مجتمع قوانينه التي تعبّر عن ثقافته، وإذا اختل ميزان التشريع فإن العادات السلبية تصبح جزءاً من السلوك الفردي، ولهذا نرى اليوم ما يشبه التراجع المجتمعي الكويتي وفي جوانب عدة، تبدأ من التوسط بأبسط المخالفات ولا تنتهي عند سن قوانين تخدم ناخبين ومفاتيح انتخابية، قبلية وطائفية وحزبية، فمن أجل إرضاء النائب لناخبيه فيما يتعلق بعدم انتقاص ما يعتبره حقاً معيناً لهؤلاء الناخبين لا يتوانى لحظة عن استخدام أبشع الأساليب المخالفة لأبسط القواعد الأخلاقية في الدفاع عن تلك الحقوق، فإذا كان بعض النواب استخدموا في الاستجوابات سابقا كل ما هو خارج عن القانون، وتدخلوا حتى في الحياة الشخصية للوزير المستجوب، وطعنوا في شرفه، فيما الاستجواب على شأن يختص بعمله الوزاري وبالأساس كان الهدف منه معاقبته على عدم تمرير معاملات للنائب مخالفة للقانون، أو تعيين المقربين منه في المناصب التي يريدها، حتى لو كانوا ليس أهلا لها، فإنه لن يتورع عن الابتزاز بالأداة الدستورية، علما أن الهدف من أي استجواب إصلاح الخلل في الوزارة والأداء، ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب استنادا إلى القانون والمعايير المتفق عليها، وليس وضع الطامح إلى منصب غير مؤهل له في المكان الخطأ من أجل مصلحة انتخابية فقط.

من المؤسف، بل المعيب أن يشهد مجلس الأمة هذا النوع من الانحدار في سلوك من يفترض أنهم النخبة الاجتماعية والسياسية، وهذا يدل على مدى الخراب الذي وصلت إليها الثقافة المجتمعية التي اصبحت في حاجة ماسة الى اعادة تقويم واصلاح الخلل، بل إعادة نظر جذرية بمدى القدرة على المحافظة على القيم الاجتماعية الكويتية بعيداً عن نزعات وعصبيات طائفية وقبلية، وفي هذا ليس مقبولا التبرير بأن الطبيعة القبلية والطائفية تفرض ذاتها، أو أن مصلحة فرد أو مجموعة أسمى من مصلحة المجتمع، لأن في ذلك فرضاً لشريعة الغاب، بل أدنى من شريعة الغاب التي لا توجد فيها مصالح متنفذين تفرض على دولة مفترض انها ديموقراطية تحقيق هدف مرحلي من خلال قانون دائم.

لا شك أن الحماسة التي قوبلت بها موقعة «النعل» بين المؤيدين للنواب المشاركين في تلك الموقعة، وكما قرأنا على مواقع التواصل الاجتماعي تنذر بخطر كبير، خطر اجتماعي يهدد الأسس التي تحفظ للناس أمنهم واستقرارهم، لأن ما جرى في مجلس الأمة إشارة واضحة إلى كل راغب في الخروج على القانون أن يأخذ حقه بيده، وهذا معناه أننا سنواجه في المرحلة المقبلة تعديات على رجال الأمن وعلى الناس وعدم استقرار في العلاقات، بل استقواء أكثر من السابق بالواسطة النيابية من أجل حماية الخارجين على القانون، فهل أدرك السادة النواب هذه الخطورة حين أخذتهم العزة بالإثم إلى درجة التراشق بالأحذية، وهل سيدخل الحذاء أدبياتنا السياسة مستقبلا؟

إذا كان المجتمع الكويتي يرفض هذا السلوك النيابي فبيده الحل، وليس بيد أحد آخر، وهو أن يعاقب النواب الذين أوصلوا الحال إلى هذه الدرجة من التردي بعدم اختيارهم في الانتخابات المقبلة، وإلا فإن على الدنيا السلام، لأن ما جرى يدل على عدم قدرتنا على حل مشكلاتنا بالحوار، ففي قانون ينظم العلاقة بين مؤسسة من مؤسسات الدولة والناس، ومن أجل تطوير الأداء فيها وصلت المصالح الاقتصادية والانتخابية إلى درجة أنها اصبحت أكبر من مصلحة الدولة، أليس هذا دليلاً على أن المصلحة الفردية أصبحت أكبر من مصلحة المجموع؟

يبقى القول إن قصر النظر السياسي والقانوني يجعل المشرع الذي يراعي مصالح ناخبيه لا يرى أن القانون المبني على خلل يخدمه اليوم لكنه ايضا يصبح ضده في المستقبل، لأنه سلاح ذو حدين والسلاح لا يجب أن يكون في أيدي من يسيئون استخدامه، أو هم يقررون كيف ومتى يستخدم.

النهار

تعليقات

اكتب تعليقك