لا يمكن تنفيذ خطط ما يسمى بالاصلاح بعيدا عن تغير نمط الحياة الاجتماعية.. بوجهة نظر فهد الصباح

زاوية الكتاب

كتب 714 مشاهدات 0

فهد الصباح

النهار

رأي اقتصادي- متى يصبح المجتمع.. كويتياً؟

فهد داود الصباح

 

يتصور البعض ان الحلول الاقتصادية المطروحة لمعالجة الازمة الحالية منفصلة عن المجتمع، ويمكن تنفيذ خطط ما يسمى بالاصلاح بعيدا عن تغير نمط الحياة الاجتماعية، ولكن عندما تطرح الافكار للنقاش يجد اصحابها انها تصطدم بسلوك وعادات اجتماعية متجذرة، فيبدأ نوع من التعديل للخطط ليتناسب مع تلك العادات، وفي الوقت نفسه لا تلغي اساس الخطط، ولهذا نجد بعد فترة ان ما تم اقراره يجري تقويضه من خلال الاستثناءات والخضوع لمتطلبات مؤقتة يطرحها مستفيدون من استمرار نمط الحياة الاجتماعية الذي قام على رعاية الدولة الكاملة للفرد والاسرة.

في كل خطط التنمية التي وضعت منذ بعد الاستقلال الى اليوم لم يكن هناك اي جانب اجتماعي حقيقي يمكن التعويل عليه في تطوير المجتمع ليتماشى مع الخطط التنموية، مثلا جرى فصل التنمية عن التعليم ولم يجر العمل على فهم التأثير غير المباشر لاكتشاف النفط على المجتمع وتغيير عاداته الحياتية والعلاقات فيه، ولم يؤخذ بعين الاعتبار ان الطفرة المالية الناتجة عن عصر النفط سوف تؤدي الى تغير في الطبيعة الاقتصادية الاجتماعية، وستتغير العلاقات بين الناس، واتبعت الدولة سياسة تنمية الشعور لدى الناس انها المسؤولة بشكل كامل عن رعايتهم، وان ما عاشوه في مرحلة ما قبل النفط، وخصوصا الجوانب الايجابية في تلك المرحلة فيما يتعلق بالعادات الاجتماعية يجب ان ينمى ويصبح اساسا في المجتمع الجديد.

في المقابل لم يعمل المجتمع الانتقالي من مرحلة شظف العيش ومصاعبها اليومية على الاستفادة من الايجابيات في عملية ترسيخ نمط انتاج قادر على الصمود في مواجهة الازمات، ولذلك لم تحاول التيارات الثقافية والسياسية الكويتية في تلك المرحلة العمل على تنمية الوعي الاجتماعي بضرورة تطوير الاعتماد على النفس وتعزيز التعاضد الاجتماعي من اجل تحصين المجتمع، ولهذا نجد اليوم ان معالجات توابع الازمة الاقتصادية غير قابلة للتنفيذ، فمثلا تطرح مسألة رفع الدعم عن الكهرباء من زواية عدم استفزاز المواطن وليس جعله يشعر انه شريك في بناء الدولة والمحافظة على الحد الادنى من اسس الحياة الكريمة التي تؤمن للاجيال القادمة الحياة الكريمة.

في الاسبوعين الماضيين طرحت الحكومة السويسرية للاستفتاء العام دفع راتب شهري لكل مواطن، عامل او غير عامل، علما ان في سويسرا الدولة غير النفطية والتي تعتمد بنسبة كبيرة على الضرائب، يلتزم المواطنون بكل القوانين وخصوصا الضرائبية، ويدفعون ما عليهم من دون اعتراض، فكانت نتيجة الاستفتاء رفض 95 في المئة من المواطنين للاقتراح، واعتبروا منح المواطن راتبا شهريا من الدولة سيؤدي الى الاتكال على الدولة وانخفاض الانتاجية، وبالمناسبة عدد سكان سويسرا يبلغ وفقا لاحصاء العام 2014 نحو ثمانية ملايين نسمة، اي يفوق عدد سكان الكويت باضعاف، وتعتبر سويسرا من اغنى دول العالم ويبلغ الناتج المحلي الاجمالي نحو 651 مليار دولار اميركي، وهي دولة غير نفطية، وتعتمد على الصناعة بشكل اساسي، ويعتبر اقتصادها من اقوى الاقتصادات في العالم، اي باختصار ان دخل الفرد فيها اعلى من دخل الفرد في الكويت التي يبلغ عدد سكانها 1.4 مليون نسمة والناتج المحلي فيها 320 مليار دولار، وهي تعتمد بنسبة 94 في المئة على النفط، اي بالمقارنة بينها وبين سويسرا فان الكويت نسبة الى عدد السكان يجب ان يكون دخل الفرد فيها اعلى من السويسري، وفي وقت لا يدفع فيه المواطن الضرائب وهو ايضا معفي من العديد من الرسوم وثمن الخدمات، نجد ان النمط الاجتماعي السائد هو المزيد من الاعتماد على الدولة، واذا طرح اليوم استفتاء في الكويت لجهة منح المواطن راتبا مدى الحياة، اضافة الى راتبه الذي يتقاضاه كموظف، فان نسبة 95 في المئة من الكويتيين ستؤيد الحصول على راتب، اي على العكس من السويسريين، فماذا يعني ذلك؟

لدى غالبية المجتمع الكويتي قناعة، ربما لا يجري التعبير عنها علنا، انما يكتشقها المراقب من السلوك الاجتماعي العام وهي ان الكويت وطن مؤقت، وليس وطنا مؤقتا، وهذا مرده الى عدم الوعي بمعنى الهوية الوطنية، فعلى سبيل المثال ان اي مرشح للانتخابات يعتمد على مشروع تنموي لا تدخل فيه الخدمات الفردية لن يكون له نصيب من الفوز، فيما المرشح الذي ليس لديه اي مشروع اجتماعي ويعتمد على العلاقات القبائلية والطائفية والمناطقية والوعود بالخدمات للافراد، هو من سيدخل الى مجلس الامة، وبالتالي سيكون هذا النائب ملزما بتقديم كل الاقتراحات التي تخدم الطريقة التي وصل من خلالها الى المجلس، فيرهق الدولة بالقوانين والاقتراحات التي تزيد من اعتماد المواطن عليها، وايضا سيعمل على جعل «الواسطة» اساسا في ممارسته لدوره، ولنا في قرار نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الداخلية الشيخ محمد الخالد القاضي بوقف القبول في اكاديمية الشرطة، بعد اكتشاف العديد من المخالفات في عملية القبول، خير مثال على الدور التدميري الممنهج لنواب «الواسطة»، فهذا القرار الذي يجب ان يكون نقطة التحول، وجرس الانذار لوقف التدخلات النيابية في المؤسسات الرسمية كافة، يعتبر قرارا اصلاحيا تاريخيا، ومنها يجب ان تنطلق كل مؤسسات الدولة في عملية الاصلاح الاقتصادي... نعم منه يجب ان تنطلق الدولة في الاصلاح، لانها في ذلك تمارس دورها الحقيقي في اعادة الاعتبار الى القيم الاجتماعية التي تساعد على تخليص المجتمع من الظواهر السلبية التي طرأت عليه في العقود الماضية.

كل هذا لا يمكن تحقيقه الا من خلال الوعي المجتمعي بنهائية الوطن الكويتي، وان يتخلى الفرد عن ازدواجية الانتماء الطائفي والقبلي والازدواجية بالجنسية، فمن يقتنع ان الكويت وطنه النهائي سيكون قادرا على مواجهة الازمات ومساعدة نفسه على التطوير ومماشاة العصر، بل انه سيورث الاجيال القادمة وطنا حقيقيا وهوية يعتزون بها، وهذا لن يتحقق الا من خلال الوعي اننا نعاني من انفصام في الشخصية الاجتماعية، فاذا كانت عاداتنا وتقالدينا وحتى القيم الدينية تحضنا على العمل والانتاج وصيانة الوجود الوطني، فان ذلك محفز لنا ان نمارس تلك القيم في سلوكنا الاجتماعي، لا ضد القيم الدينية والاجتماعية فيما نحن نرفع شعار الاخلاق والالتزام والايمان والوطنية، ونحن ابعد ما نكون عن ذلك.

النهار

تعليقات

اكتب تعليقك