عن إعادة إحياء مبادرة السلام العربية .. تتحدث هيلة المكيمي

زاوية الكتاب

كتب 757 مشاهدات 0

د. هيلة المكيمي

النهار

حياد إيجابي- مبادرة السلام العربية بعد 14 عاماً

د. هيلة المكيمي

 

اعادة تسليط الضوء الاعلامي على مبادرة السلام العربية بعد مضي 14 عاما على اطلاقها اعادتني بالذاكرة الى ايام الدارسة في الولايات المتحدة الاميركية حيث كنت اقرأ مقالا للكاتب الشهير توماس فريدمان والذي يعتبر اول شخصية اميركية عرفت بموضوع هذه المبادرة وكتب عنها قبل اطلاقها بشكل رسمي، حيث ذكر في سياق الحديث انه في خلال زيارته للمملكة العربية السعودية والتقائه بالقيادة السياسية حيث دار الحديث حول آفاق السلام مابين العرب واسرائيل، اطلع على مبادرة السلام العربية وأكد على انها أحد تلك الفرص الضائعة التي لم يستثمرها الاسرائيليون آنذاك، فبعد احداث 11 سبتمبر، الكل أصبح يعي ضرورة معالجة جذور التطرف في المنطقة وتعتبر القضية الفلسطينية احد الاسباب الرئيسة لموجات التطرف التي عصفت بالمنطقة وبالعالم أجمع. فقد ادرك الجميع ان المشكلة لا يمكن ان تكمن في الفروقات الدينية بل ان الدين الاسلامي له تاريخ عظيم في التسامح مع جميع الطوائف والعرقيات والديانات بما فيها الدين اليهودي واكبر دليل ازدهار الوجود والعلم والثقافة اليهودية تحت الحكم الاسلامي في الاندلس، الا ان الاشكالية تكمن في تسييس الدين والنزاع على الارض وتغذية حركة قومية يهودية متطرفة والتي جاءت كرد فعل على محارق النازية لليهود ابان الحرب العالمية الثانية، ما يطرح السؤال حول لماذا كتب على العرب ان يتحملوا اخطاء الاوروبيين؟ فاسرائيل ليست الا ابنة العنصرية الاوروبية التي لم ترغب بالتواجد اليهودي في اوروبا ما فرض على اليهود ايجاد وطن جديد تمثل في فلسطين.

كل تلك الاسباب دفعت بالمملكة العربية السعودية لاطلاق مبادرة السلام العربية في عام 2002 والتي تبنتها فيما بعد جميع الدول العربية من خلال جامعة الدول العربية وتم التأكيد عليها مجددا في عام 2007 ومفادها التطبيع الكامل مابين اسرائيل وجميع الدول العربية في مقابل حل القضية الفلسطينية بحدود 1967. الا ان رد الفعل الاسرائيلي كان متباطئا ولم يسعى الاسرائيليون للاستفادة من اجواء السلام انذاك، اذا ما الذي تغير؟ وما هو سبب اطراء رئيس الوزراء الاسرائيلي بعد مضي 14 عاما عليها بانها تتضمن عناصر ايجابية ممكن تشكل ارضية للسلام؟ بل كيف سيكون تقبل المجتمع الاسرائيلي للدخول في اجواء السلام في حين ان جميع المؤشرات تؤكد زيادة حدة التطرف في المجتمع واكبر المؤشرات هو توالي الحكومات اليمنية والمتطرفة وزيادة شعبية قيادات حركة المستعمرات؟

من الواضح ان هناك جملة من الاسباب التي دفعت بالاسرائيليين لإعادة النظر في اتفاقية السلام والتي ليست بالضرورة ان تكون جادة بل من اجل تخفيف الضغط الدولي عليهم: اولا: اجمعت غالبية التحليلات السياسية ان اسرائيل انتجت مؤخرا واحدة من اكثر الحكومات تطرفا بقيادة نتنياهو وبعضوية وزير الدفاع الجديد افيقدور ليبرمان ونافتالي بينيت بالاضافة الى العديد من قيادات حركة المستوطنات والتي كانت في السابق ينظر اليها على انها حركة مستهجنة بينما الآن هي اللاعب الرئيس في السياسة الاسرائيلية. وقد تعرضت هذه الحكومة لانتقادات دولية كبيرة كونها بعيدة عن اية امكانيات للسلام وقد زاد الاقتناع الدولي بذلك بعد انتشار فيديو لجندي اسرائيلي قام بقتل فلسطيني جريح حيث لم تحرك الحكومة ساكنا تجاه ذلك المنظر المؤلم الذي هز العالم بأكمله.

ثانيا: تستخدم الحكومة الاسرائيلية مبادرة السلام العربية لتحييد الجهود الاوروبية لاسيما الفرنسية الضاغطة مجددا حول ضرورة فتح مسارات للسلام وانهاء المعاناة الفلسطينية وكانت الحكومة الفرنسية قد دعت لمؤتمر السلام في هذا الشهر الا ان اعتذار وزير الخارجية الاميركي في آخر لحظة دفع الى التأجيل، فالاسرائيليون لا يحبذون الاوروبيين الاكثر جدية وصرامة في الوصول الى نتائج حقيقية للسلام ويفضلون الحلول الاميركية التي لا تنتهي الى شيء بفعل اللوبي الاسرائيلي في واشنطن.

بالرغم مما سبق، الا ان هناك متغيرا قد يدفع بالاسرائيليين ليكونوا جادين حول امكانية تحقيق السلام والمتمثل بفقدان اسرائيل لبريقها في المنطقة كونها القوة الاكثر نفوذا والابنة المدللة للغرب، فالانظار بدأت تتجه نحو ايران لاسيما بعد دخول الاتفاق النووي الايراني حيز التنفيذ، فالكل ينظر الى ايران على انها سوق واعدة وقوة عمل بشرية هائلة وشرائية واستهلاكية ضخمة، بل ان حتى الاتراك الذين استعان بهم العرب لصد الهيمنة الايرانية في المنطقة ينتظرون فرص الاستثمار مع ايران، بل ان هناك تنسيقا عالى المستوي مابين الايرانيين والاتراك فعلى سبيل المثال حينما وافقت تركيا في البداية على الدخول ضمن التحالف العربي الاخير الا انها سرعان ما تراجعت عن ذلك بعد زيارة وزير خارجيتها الى طهران، فالايرانيون والاتراك هم في الحقيقة على خط المنافسة والتنسيق في آن واحد. بل ما يدفع الاتراك للتحالف مع ايران، هو قيام الاميركيين اخيرا بدعم الجماعات الكردية في شمال سورية لمحاربة «داعش» و«القاعدة» وهو ما يمثل خطرا حقيقيا في نظر الاتراك يهدد امنهم الداخلي والاقليمي.

تلك الحقيقة تجعل الدولة الشرق الاوسطية غير العربية المتبقية والمتمثلة باسرائيل وحيدة دون غطاء اقليمي ما يجعلها امام تحد حقيقي والمتمثل بحل الملف العربي والمتضمن القضية الفلسطينية وآلية التطبيع مع جميع الدول العربية كما تنص المبادرة العربية للسلام.

النهار

تعليقات

اكتب تعليقك