ناصر المطيري يكتب.. زمن المبادئ الرخيصة

زاوية الكتاب

كتب 1020 مشاهدات 0

ناصر المطيري

 

النهار

خارج التغطية- زمن المبادئ الرخيصة 

ناصر المطيري

 

«صاحب المبدأ لا يفرط بمبدئه ولو عرضت عليه الدنيا بأكملها».. (عمر المختار).

إنَّ المبادئ السامية، والقيم العليا، والعقائد الصادقة، والأخلاق النبيلة، تظلُّ كلها مُثلاً عليا، حبيسةً في الأذهان، إلى أن يوجد من ينزلها حقيقةً على أرض الواقع، مهما كلَّفه ذلك من تضحيات، لأنَّ كل صاحب مبدأ وقيمة لا يمكن أن تبقى مبادئه أو تستمر إلا إذا ثبت عليها، ودعا إليها، وضحَّى من أجلها، أيًّا كان هذا المبدأ وهذه القيمة.

ماذا يعني أن يكون للإنسان مبدأ ؟ يعني أن يكون ذا رسالة واضحة وهدف محدد، ويعمل على الوصول لهدفه بكل شموخ.. واثق الخطى.. ثقته بربه لا يندم على الماضي ولا يهاب المستقبل المجهول، صاحب المبدأ يعرف معنى السعادة الحقيقية المفقودة لدى الكثير ممن ضيعوا هدف وجودهم في الدنيا، وفرطوا بالمبادئ العليا في حياتهم.

وكم من إنسان يتصور هذه المبادئ في ذهنه، ويتصدَّى للدفاع عنها في تخيُّله، ويراها هي الحقّ -كل الحقّ- حتى إذا تحوَّل إلى عالم الواقع ترى الفرق الشاسع بين المبدأ والتطبيق، حين يقول ويعجبك قوله، فإذا به يجبن حين مواجهة الواقع، فلا يدافع عن مبادئه ولا يثبت عليها، ويضعُف عن تمثيلها بنفسه، بل ويُفضِّل مواراة الناس بما هم عليه من باطل على مجابهتهم بما هو عليه من الحقّ؛ فتسقط هذه المبادئ في هوَّة سحيقة ما لها من قرار، وتُطوى في عالم النسيان.

إن رضا عامة الناس ربما يكون سهل المنال متى ما التزم الفرد بتوجه معين يستهوي هذه العامة. ولكن السؤال الأهم هل هذا الاتجاه يتطابق مع المبادئ والقيم؟

إن التمسك بالمبادئ العليا التي يؤمن الإنسان بها عن قناعة وعلم حجة على المرء فلا يقبل منه بأي حال التنازل عما اكتشفه وتبين له. هذا يذكرنا بعالم الفلك الايطالي الشهير «غاليلو» الذي توصل إلى حقيقة أن كوكب الأرض ليس إلا جرم سماوي متحرك ولا يمثل مركز الكون كما كان الاعتقاد السائد في الأوساط الدينية الكنسية في تلك الآونة، لكن «غاليلو» مع ذلك لم يتنازل عن تلك الحقيقة العلمية التي توصل لها رغما عن الكنيسة والحكومة والرأي العام الذي كان بالضد منه تماما.

وفي عالم السياسة في وقتنا الراهن صارت المبادئ أول ما يتم التضحية بها أمام حملات الترغيب والترهيب، فكم ضعفت عزائم الرجال وكم رخصت المبادئ والقيم والأخلاق فأصبحت معروضة في سوق المصالح بثمن بخس.. في هذا الزمن أصبح المتمسكون بمبادئ الحق والعدالة والأخلاق يعيشون في غربة بين مجتمعات يتسابق أغلب أفرادها على حطام الدنيا من أموال أو مناصب أو سيادة زائفة.. الأزمة الحقيقية في أصلها هي أزمة أخلاقية حيث أصبح البعض لا يستحي من تناقض مواقفه ولا يخجل من الدوس على قيم الحق، فهانت عليهم انفسهم وسوف تهون عليهم أمتهم ومجتمعهم، لأن من يبيع نفسه لن يتورع عن بيع غيره.

النهار

تعليقات

اكتب تعليقك