وجه مثقفنا القبيح !! بقلم سارة الدريس
زاوية الكتابكتب مارس 13, 2016, 12:41 م 5367 مشاهدات 0
في الخمس سنوات الأخيرة تعرض الكثيرين لقضايا قمع حرية ، سياسية و دينية، و لعل بسبب وجود وسائل التواصل الاجتماعي التي تعد منابر إعلامية خاصة لكل فرد ، تتكشف مواقف الأشخاص حيال القضايا ، و أحيانا ينكشف وجههم الحقيقي ..
كنت ألحظ تمايزا في المواقف و نسبة التأييد ، بحسب المكانة الاجتماعية للملاحق ، انتماءه العائلي او القبلي او الطائفي ، مستواه الأكاديمي ، مستوى شهرته ، و الشللية ، فلو كان نائبا سابقا مثلا أو دكتور كنا نجد جمعا غفيرا من المطالبين بإطلاق سراحه ، أما لو كان الملاحق شخصا عاديا لعلك لا تجد إلا دعوات أمه ، أعرف أن للشخص المشهور أيا كان مجاله جمهوره و متابعيه و محبيه ، و مقالي هنا ليس موجها للبسطاء الذين يحرك بريق الأسماء عواطفهم ، إنما للمثقف الذي يرفع شعار الحرية ، و حين يسقط شخص ما بفخ السلطة تشل حواسه و ينفصل عن الواقع كأنه لا يسمع و يرى ..
قد يقول قائل ، 'لن أدافع عن شخص لا يمثلني رأيه' ، إعلم أن إيمانك بحرية التعبير يقتضي دفاعك حتى عن مخالفيك ، لست مضطرا أن توافقه ، لا تؤيد رأيه، لكن دافع عن حقه بالتعبير ، حارب قمعه و التحريض ضده ، فإن اختبار إيمانك بالحرية يكمن في دفاعك حتى عن من يخالفك
صنف آخر من المثقفين ، ينظّر عن كل قضايا العالم عدى قضايا وطنه ، تجده مناضلا في مصر مثلا ، و نعامه في الكويت ، و لا أدري هل هو يستسخف قضايا الشارع الكويتي؟ ، أم هناك الجمهور أوسع و المصفقون كثر! ، أم هي الغيرة؟ ، لعله يعتقد أنه من تغريده و تأييده سيصنع بطلا محليا ينافسه؟
يقول إدوارد سعيد : ' لا بد أن ينحاز المثقف الحقيقي إلى صفوف الضعفاء الذين لا يمثلهم أحد في أروقة السلطة '
ليس المثقف فنجان قهوة و ركن هادئ و كرسي عاجي و لوحة سيريالية و كتاب و بضع اقتباسات في تويتر .. و أحيانا صالونات استعراضية يجلس فيها واضعا قدما فوق الاخرى متعجرفا يسرد كلاما جافا باردا ، و على المستمعين ان يختموا الجلسة بالتصفيق له مبهورين..
المثقف الحقيقي هو من يعيش بين العامة ، ينقل معاناتهم ، يشاركهم همومهم ، يتحدث بصوتهم ، لا يتكبر ولا يستصغر ، هو منهم و إليهم ..
المثقف الحقيقي هو صاحب القضية ، من يرفع صوت الحقيقة أمام القمع و يذود عن حقوق المظلومين و المضطهدين ، المطالب بالحرية و العدالة و المساواة ، ليس مهرجا للسلطة ، ولا كاتبا مأجورا ، ولا طبالا، بل يكرم نفسه عن مسح الجوخ ، عن التملق ، عن قذارة بلاط السلاطين..
المثقف الحقيقي كنزه الأثمن رسالة ، يعكس فيها معاناة البائسين ، يشعر بوجع المحرومين ، يحمل في قلبه هم وطن ، وطن يكون ملاذ كريم للجميع دون تمييز..
المثقف الحقيقي هو من يحاول أن يصنع التغيير ، أن يشعل فكره و كلماته ليُبصر الاخرين حقوقهم و يتلمسوا قضاياهم .. قريب من هموم الناس ، بعيد عن الحكام و المستبدين .. حين يتعرض مخالفيه للظلم ، ينتصر لهم ولا يشمت بهم ، لا يظهر كراهيته لمجرد اختلافه معهم ، لا يطالب بقمعهم ولا يحرض ضدهم ، ولا يصبح كلب أثر و يتتبع عورات الاخرين ..
المثقف الحقيقي هو ذاك الذي يقوم بكل ما أوتي من إنسانية و ضمير يقظ ليزيل هموم عجوز رسم الزمن بنكرانه على وجهها تجاعيده ، و يمسح دمعة طفل بلا معيل ، و يمهد الطريق لشاب بدون أغلقت الحياة بوجهه أبوابها ، و يضمد جراح المعنفات ، يكون طوق نجاة للمساكين ، و يزيل الأغلال عن أجنحة الحرية، دون أن يسأل خلف كل هؤلاء ما المصلحة..
سارة الدريس
تعليقات