الكويت تعاني من أثر التجسس والتحسس الاجتماعي.. كما يرى تركي العازمي

زاوية الكتاب

كتب 535 مشاهدات 0


الراي

وجع الحروف  -  كويت اليوم وأثر التحسس والتجسس

د. تركي العازمي

 

نؤمن بأن الكتابة «رسالة»، لا نرجو منها شكرا ولا استحسانا. إنها تكتب على هيئة قصصية ننشد من ورائها توجيه النصح وبث روح التفاؤل، وان لم تجد الصدى المطلوب لدى أصحاب القرار فهي تبقى للقارئ والقارئة، وهما العينة المستهدفة والتي تستحق أن تقرأ المفيد الإيجابي من نقد مباح.

نقول هذا بعد ما لمسنا من متابعة ما يكتب من أخبار كثر فيها سلوك التحسس والتجسس، ما دفعنا إلى مراجعة وضع الكويت اليوم التي هي أحوج للتمييز بين الصالح والطالح مما يقرأ.

لا تجسسوا في القرآن الكريم، تعني لا تتبعوا عورات المسلمين ومعايبهم بالبحث فيها٬ ولا تطلعوا على سرائرهم (بواطن الأمور)، والتجسس سلوك فيه الشر.

أما التحسس، فيكون فيه الخير والشر، وهي كلمة قريبة في معناها، من معنى التجسس بتتبع الأخبار، لكنها وردت في القرآن كخير، وذلك في قول يعقوب عليه السلام لبنيه «اذهبوا فتحسسوا من يوسف»، والتحسس بقصد معرفة أخبار صديق أو أي طرف آخر بقصد معرفة الخير عنه فهو حسن، أما إن كان خلاف ذلك فهو شر أشبه بالتجسس سلوكيا.

الانتقائية في البحث عن الأخبار السيئة وتناقلها له آثار سيئة للغاية، وقد ذكر خطورتها الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف «إياكم والظن٬ فإن الظن اكذب الحديث٬ ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله إخوانا كما أمركم الله تعالى».

هذا قول خاتم الأنبياء، وهو لا ينطق عن الهوى، قبل أن يأتينا العلم الحديث بمفاهيمه من علم نفس وخلافه.

حتى العلم المعاصر، أبرز خطورة التحسس والتجسس٬ فمن باب الاستدلال نذكر ان بعد انتهاء حرب أميركا مع كوريا الشمالية، تم قتل ألف جندي أميركي في السجون الكورية من دون إطلاق رصاصة واحدة ٬ وقام الجنرال وليام مايز، المحلل النفسي في الجيش الأميركي، بدراسة هذه الحالة التي تعتبر واحدة من أعقد قضايا تاريخ الحروب في العالم.

الألف جندي تم أسرهم وسجنهم داخل مخيم تتوافر فيه كل مزايا السجن، من حيث المواصفات الدولية وكانت الأسوار غير عالية ويستطيع أي سجين من الهروب، لكنهم ماتوا ولم يفكروا في الهرب.

استنتج الجنرال مايز بعد سنوات عدة من الدراسة، أن سبب وفاة الجنود يعود الى أن الأخبار السيئة فقط هي التي تنقل إلى مسامع السجناء، والأخبار الجيدة يتم اخفاؤها عنهم... كانوا يأمرون السجناء بأن يحكوا على الملأ احدى ذكرياتهم السيئة حول خيانتهم أو خذلانهم لأحد الأصدقاء أو معارفهم٬ وكل من يتجسس على زملائه في السجن يعطى مكافأة... هذه هي التقنيات الثلاثة التي كانت السبب وراء تحطم نفسياتهم الى حد الوفاة.

فالأخبار المنتقاة السيئة، كانوا يفقدون معها الأمل بالنجاة٬ وحكايتهم لذكرياتهم، كالخيانة أو التقصير أمام الملأ، ذهبت باحترامهم لأنفسهم ومن حولهم لهم٬ وتجسسهم على زملائهم قضى على عزة النفس لديهم ورأوا أنفسهم بأنهم حقراء وعملاء.

مما تقدم وحسب، ما يصلنا من قصص كالدراسة التي قام بها الجنرال مايز، هي في حقيقتها علم يدرس لنا عبر ما هو مذكور في القرآن والسنة النبوية قبل أن تظهر لنا الكتب الغربية بعلومها!

نحن أكرم منهم من حيث القيم والمعتقدات والأخلاق الكريمة ولو عاينت ما يجري من حولنا إنما هو تنفيذ لتقنيات تجهل بمفاهيمنا المتأصلة بفطرتنا الإسلامية وإن شذ كثير من أحبتنا تبقى ثابتة حتى في طبيعة المجتمع التي تنحدر سلوكيا من سيئ الى أسوأ، قد ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم.

لذلك٬ ننصح الجميع بألا يتجاهلوا ما ينشر من أخبار سيئة، والا يكونوا أداة تبحث في أسرار الناس٬ وأن يحفظوا سرهم وسر غيرهم ما دام الله قد ستر خطاياهم.

نحن بحاجة إلى نبذ كل ما يعرض من أخبار سيئة وسوء ظن وتجسس وتحسس فيه شر، وعلينا فهم القاعدة الباقية، وهي إننا أمة محمد، وقد أنعم الله علينا بقرآن عظيم وسنة نبوية فيها من الدروس ما يمكن أن يقوم كل إعوجاج.

خلاصة القول، الكويت اليوم تعاني من أثر التجسس والتحسس الاجتماعي، وهما سلوكان في غاية الخطورة، وكل مصدر يساهم في نشر عورات الناس أو نقل الأخبار السيئة بقصد التأثير في نفسيات أحبتنا، تستدعي الضرورة تغليظ العقوبات عليه وعلينا أن نتمسك بالأمل والبحث تحسسا في الأخبار الطيبة التي تعيد لنا علاقاتنا الاجتماعية لسابق عهدها... والله المستعان!

الراي

تعليقات

اكتب تعليقك