علي الطراح يكتب: إعادة تقييم المعونات احتراما للمصالح الخليجية
زاوية الكتابكتب فبراير 29, 2016, 10:19 ص 468 مشاهدات 0
لعل الموقف السعودي حيال وقف مشروع تمويل تطوير المؤسسة العسكرية في لبنان قد أعاد لفت الانتباه إلى قضية يثير البعض حولها تساؤلات هي تلك المتعلقة بنهج العطايا والمساعدات من دولنا النفطية، وهي مساعدات أساء البعض فهمها وربما وضعها في خانة دفع فواتير المديح! وقد قدمت دولة الكويت مليارات من المساعدات والعطايا قبل الغزو الصدّامي إلا أن تلك المليارات لم تؤدِّ وظيفتها المتوقعة، وهذا ما يستوجب إعادة تقييم مثل هذه السياسات غير المجدية.
وردة الفعل اللبنانية لم تكن في المستوى المطلوب، فكانت محاولة للالتفاف على القرار السعودي، بينما المملكة العربية السعودية كانت واضحة في بيانها بأنها لا تفرق في سياستها بين طوائف لبنان. ونتفق مع بيان السعودية، ونعي أيضاً الدور السياسي للمساعدات أو الهِبات وهذا ما يجب التعامل معه وفق آليات جديدة تخرجنا من الصورة النمطية المعششة في كثير من العقول العربية.
فدول النفط الخليجية تقوم بواجبها القومي، إلا أننا كذلك نعتبرها قوة سياسية يجب ألا يستهان بها أو يتجاهل دورها. وربما نسوق مثالاً آخر هو المخلوع علي عبد الله صالح الذي ساندته السعودية ليس بجزيل المال فقط، وإنما حتى في إعادته للحياة، بعد إرادة الله، عندما تعرض للاحتراق بفعل انفجار، وكاد ينتهي وينقضي أمره. ولكن ها هو المخلوع صالح ينقلب بشراسة على من أحسن إليه، نظير حسابات مصلحية مع أطراف أخرى. وهذا المثال أيضاً يستوجب إعادة تقييم المعونات والعطايا احتراماً للعقل والمصالح الخليجية.
وفي الحالة اللبنانية تم اختطاف السيادة لصالح «حزب الله»، من دون منازع، وهو تنظيم يعلن هو نفسه أنه ذراع إيران دون أي مواربة، ويفتخر بدوره ذلك، ويوجه سهامه سواء للسعودية أو البحرين، وحتى الكويت لم تسلم منه على الرغم من مرونة السياسة الكويتية.
وإذن نحن أمام تحولات كبيرة تقوم بها إيران من خلال أذرعها المنتشرة في المنطقة العربية، مما يفرض علينا مراجعة دقيقة لسياسة المساعدات المالية. فـ«حزب الله» اللبناني دخل أصلاً إلى الساحة بحجة زائفة هي دعوى المقاومة ودعمه العرب باختلاف معتقداتهم ومذاهبهم، إلا أن ورقة المقاومة تلك كانت مجرد أكذوبة ولعبة سياسية لأجل كسب القلوب والتعاطف ونشر أفكاره التابعة لإيران. وأكاذيب لعبة المقاومة صارت مكشوفة، فاليوم لا تنطلق رصاصات ذلك الحزب نحو إسرائيل، بل يتحول أعداء الأمس إلى خانة الأصدقاء في المشهد السوري، فهي لعبة سياسية تمكنت طهران من لعبها بشكل فج ومكشوف.
إن بعض دول «التعاون» تنفق ملايين الدولارات على شركات العلاقات العامة الغربية لتؤكد وقوفها ضد منظمات الإرهاب التي تسمي نفسها بحركات إسلامية، في حين لا تلتفت إلى المخاطر الكامنة في المشروع الطائفي الإيراني. وتعزيز الجبهة الداخلية، ومعالجة بعض المشاكل بات في حكم الضرورة لصد الثغرات التي قد ينفذ منها المشروع الإيراني. فخطوات المشاركة والتحديث لا تعني تبني الديمقراطية الغربية وإنما هي استحقاق يخدم الواقع الجديد من خلال إيجاد أطر تضمن المشاركة في القرارات المستقبلية. كما أن التصدي للفساد يشكل أحد أهم العوامل التي تعزز قوة الدول وخصوصاً أن نسبه قد يزيد الشعور بها أو يقل في بعض دولنا، وقد يتحول إلى آفة تضر المجتمع وتقوض أسس الدول، ولذا فإن تبني سياسة تحديث سياسي واجتماعي واقتصادي يسهم في معالجة الكثير من أوجه الخلل الممكنة أو المحتملة. كما أن على دول المجلس أيضاً انتهاج المصارحة حيال سياسة الاستقطاب الإقليمي التي فتحت نوافذ لتدخلات وتهديد للأمن المشترك. فالاستهداف لأي من دولنا علينا أن نستوعبه على أنه استهداف مباشر لنا جميعاً. ودول مجلس التعاون بمقدورها صياغة استراتيجية جديدة ضمن جغرافية مختلفة تضم دولاً إسلامية وغيرها لمواجهة التحديات التي يفرضها الواقع الجديد.
تعليقات