كلمات عن العصا.. يكتب محمد الشيباني
زاوية الكتابكتب فبراير 28, 2016, 11:50 م 688 مشاهدات 0
القبس
عصا الحكيم...!
د. محمد بن إبراهيم الشيباني
زرت في عام 1987 دار الكتب المصرية «القومية»، وذلك للالتقاء بمدير الدار والاتفاق على تصوير بعض المخطوطات المحفوظة لديهم، وفتح باب التعاون والإهداء فيما بيننا، وكان فاتحة هذا اللقاء اهداؤهم مجموعة من الأفلام الخام (الميكروفيلم) وغيرها من الهدايا، وعلى طريق زيارة الدار والاطلاع على أنشطتها ومنها مكتبات العلماء والأدباء والأطباء والشعراء وغيرهم من الذين مروا في تاريخ مصر القديم والحديث وكان لي ذلك، فوجدت من الثروة العلمية ما لا يقدر العلماء والأدباء على إحصائه أو الاشتغال به سنين لكثرته وضخامته وعدده، وكان ان زرت ركن الأديب الكبير توفيق الحكيم، حيث مقتنياته المتنوعة التي كان من ضمنها عصاه المشهورة التي دار حولها الجدل من معاصريه وأقرانه وطلابه ومحبيه، بل والمجتمع المصري والعربي آنذاك، مع أن ثمنها زهيد كما قال الحكيم نفسه: «إن ثمنها زهيد لا يزيد على ثلاثين قرشاً، ولكنه رفض استبدالها بهدايا يزيد ثمنها على عشرة جنيهات»، وقد «رفضت أن استبدلها بهدايا من عصي يزيد ثمنها على عشرة جنيهات، لأنها لازمتني خمسة وعشرين عاماً .. إنها تحمل معي كل هذه الذكريات».
ودخلت العصا في المزاد، فعرضت عليه إحدى المجلات أن يبيعها بعشرين جنيهاً! فارتفعت العصا إلى خمسمئة جنيه! فحذره بعض المحبين من الرفض، ووصف الخمسمئة جنيه كل مئة في ورقة وأن منظر الخمس ورقات من ذات المئة جنيه تحمل الدفء والسعادة إلى جيبه وقلبه.. ولكنه قال: لا.. فهذه الخمسمئة جنيه التي تعرضها لا تحمل أي معنى، سوى أنها مجموعة ورق لا صلة لي بها.. ولن تثمر صلتي بها! ثم قال: إن هذه الورقات ستوضع في البنك ولن أراها بعد ذلك.
كلمات جميلة رائعة ذات مغاز كثيرة ينبه فيها الحكيم على خزنة المال في البنوك وغيرها، حيث إنهم لا يرون من أموالهم إلا الأوراق التي تحكي تطور وارتفاع وازدياد أموالهم، ولكنهم لا يرونها وليس لها نصيب في حياتهم يتمتعون بها ويمتعون من حولهم من أولاد واحفاد وبنين وبنات وقرابة وفقراء، في أعمال الزكاة والصدقة وأعمال الخير وخدمة المجتمع والناس أجمعين حتى يكون لها أثرها الاجتماعي والديني.
هذه الكلمات عن العصا أردت أن ألفت فيها النظر إلى هذا الكاتب المجيد الذي يرسم، كما قيل، أبطال قصصه من واقع الحياة، ويحلل نفوسهم بمبضع الجراح الفنان.
.. والله المستعان.
• الفقر:
«عندنا لا يخجل أحد بفقره، وإنما يخجل بأنه لم يكافح الفقر بالنشاط والعمل». (بركليس زعيم الديموقراطية اليوناني) .
كلمات عن العصا.. يكتب محمد الشيباني
تعليقات