عن أردوغان وعقدة تشمبرلين- دنكطاش- يكتب فيصل كريم الظفيري مقالا تحليليا عن الأوضاع الراهنة
زاوية الكتابكتب فبراير 17, 2016, 2:27 م 1391 مشاهدات 0
عندما نحاول تأمل الوضع الاستراتيجي لمثلث جنوب تركيا وشمالي سوري والعراق من خلال عيون السلطة التركية، فلا بد أن نشعر أن الرئيس التركي أردوغان أدرك أن تباطؤه عن اتخاذ إجراء ما خلال الفترة الواقعة ما بين عامي 2012 و2015 قد جعل الأمور تصل إلى تفاقم الوضع في شمال سورية وتشابكه المزعج، وذلك لسبب مفهوم يتمثل بتعقيدات المشهد السياسي المحلي في أنقرة، كما لاحظنا من إخفاق لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات الأولى ما أضطره لخوض جولة انتخابات أخرى. ويبدو أن هذا التكبيل منعه عن تصور السيناريوهات الممكنة للحد الذي قد يبلغه تدهور هذه المنطقة الحساسة، التي يصفها الأتراك إنها تؤثر على أمن أراضيهم الجنوبية. وقد تواصل تعقيد الوضع الآن بالنسبة للحكومة التركية مع تطور الحملة الجوية التي يشنها 'التحالف' إلى احتمال شن حملة برية أبدت دول خليجية استعدادها بالانضواء تحت لوائها، وتبدأ من الجنوب التركي نحو محورين (كما تذكر بعض التكهنات) الأول باتجاه الموصل والثاني إلى الرقة.
وعلى الرغم أن من السهولة بمكان تلقين أردوغان الآن ما كان يجب عليه فعله خلال بداية الأزمة، لكن السياسي وصاحب القرار يتعين عليه دائما امتلاك خيال وقراءة مبنية على تفاصيل الواقع قدر الإمكان لتكوين قرار قد يبدو جريئا وربما متهورا، لكنه حاسم واستشرافي ومخطط له بدقة. ويتذكر كثيرون المطالبات بعمل منطقة منزوعة السلاح في شمال سورية من خلال نشر غطاء جوي واسع النطاق. غير أن هذا لم يحدث! ويبدو أن أردوغان ركن إلى حل تشمبرلين* مع هتلر، وكلنا يعلم نهاية هذه القصة الدموية. ولعل أحد مخاوف الأتراك يكمن من تحرك الأكراد المزعج في هذه المنطقة الخطيرة بالنسبة لهم. لكن هذا البعبع قد حدث فعلا، وها هو رئيس الحكومة التركية أوغلو يحذر الأكراد من الاقتراب من منطقة إعزاز وما حولها. وهو يعلم أنه قد فات الأوان على هذا الإنذار المتأخر، حيث أن التحركات الكردية لا تخطؤها عين وبدعم غربي وتشجيع روسي-إسرائيلي. ولا بد أنه وحكومته صعقوا من المباركة الأمريكية الروسية للتحركات الكردية، وسماح الأمريكان بوجود وفد كردي في محادثات السلام التي عقدت في جنيف، وهو ما اضطر مرة أخرى الأتراك إلى وضع [فيتو] والتهديد بإجراءات أخرى، فتنازل الأمريكان الذي يتعمدون بين الفينة والأخرى اختبار الإرادة التركية بشأن المسألة الكردية. أما تعقيد وضع المنطقة فيزداد ولا تلوح في الأفق أية بوادر للانفراج. وإذا وصلت فعلا قوات خليجية برية إلى المنطقة، سيصبح الأتراك ملزمين بمرافقتهم والزحف معهم، فالخليجيون لا يعرفون هذه المنطقة ولم يحدث أن قاتلوا فيها قط، وتركهم يخوضون قتالا فيها يعني الوقوع في مصائد كبرى مؤلمة.
وعلى أردوغان أن يتخيل -نادما- حسمه لمسألة التدخل التركي في سوريا في نهاية 2012 أو بداية 2013. فهذه الفترة كان مسرح العمليات فيها غير معقد أو متشابك كما هو جاري الآن. فالقوات الإيرانية الشيعية كحزب الله وغيره، وتنظيم الدولة وتمدده، وروسيا وطيرانها وأسطولها، وحملة ما يسمى 'التحالف' الجوية، وتداخل القوات الكردية ومشاكساتها، كل ذلك لم يكن موجودا على الأرض آنذاك، ومواجهته (الافتراضية) كانت ستنحصر مع قوات بشار الأسد التي تسببت باندلاع الأزمة، وثمة مؤشرات على احتمال تفاهم الأتراك مع 'جبهة النصرة' التي أعلنت حينها أنها تواجه قوات النظام فقط لتكف أذاه عن الناس. لكن هذا السيناريو الافتراضي لم يحصل، وعلى أردوغان وحكومته مقارنة التكاليف المتكبدة بين الواقع الحالي وذلك الافتراض. لكن من المهم أن نأخذ بالحسبان أن الأتراك يعانون من عقدة دنكطاش** ولا يودون تجربة العزلة الدولية عبر ما يتصورونه إجراءً أحاديًا. فهذا عامل مؤثر بالسيكولوجية السياسية لأي صاحب قرار تركي. والممكن الذي يتطلبه فن السياسة لم يرَه أردوغان، ربما لأنه غارق في أدغال سايكس-بيكو، التي أوشكت أشجارها على الاحتراق والذبول.
* نيفيل تشمبرلين، رئيس الوزراء البريطاني ما بين 1937-1940. وكان منهجه بالتعامل مع نظام أدولف هتلر في ألمانيا النازية التفاوض والمهادنة.
** غزت تركيا شمال قبرص سنة 1974 'لحماية الأقلية التركية' وتكوين جمهورية شمال قبرص التركية ولم يعترف بها سوى شقيقتها الكبرى تركيا، وهو ما عرضها لعزلة دولية وقرارات أممية معارضة للإجراءات التركية.
تعليقات