تجديد الخطاب الديني يجب أن يكون ضمن نطاق وحدود.. بوجهة نظر ناصر المطيري

زاوية الكتاب

كتب 552 مشاهدات 0


النهار

خارج التغطية  -  المسجد الأقصى وتحريف الخطاب الديني

ناصر المطيري

 

بعد انهيار المعسكر الشرقي، في نهاية ثمانينات القرن العشرين، انفردت أميركا بقيادة العالم، وروجت مصطلح «العولمة»، لصهر كل الشعوب في منظومتها الفكرية والثقافية والأخلاقية. وفي ظل صخب صوت العولمة الهادر، بدأ النداء بقوة بالدعوة لتجديد الخطاب الديني، بدعوى أنه لن يعود لأي شعب هوية ذاتية أو استقلال فكري وحضاري وثقافي، وهي دعوى براقة في ظاهرها ولكنها تنطوي على مضمون خطير خبيث يهدف للهيمنة على العقول ممسوخة الهوية متبعة للهوى.
لست من الداعين لنبذ تجديد الخطاب الديني بشكل كامل ولكن يجب أن يكون ذلك ضمن نطاق وحدود فتجديد الخطاب الديني لا يعني التجديد لأصول الدين وثوابته، فهذه مسائل غير قابلة للتجديد أو التغيير، لأنها أركان يقوم عليها بنيان الإسلام وشريعته، ولعلي هنا أستشهد بكتاب بعنوان: (تجديد الخطاب الديني بين التأصيل والتحريف) للشيخ محمد بن شاكر الشريف الذي كتب في أن الحياة تجري وفق سنة الله، لكن أهل الباطل يسعون إلى إطفاء نور الحق، مستخدمين كل الوسائل لمحاربة أهل الحق لتحقيق المبتغى، ويشير إلى تعالي نداءات «تجديد الخطاب الديني»، ممن يزعمون أنهم قادة الفكر والمعرفة. 
ذلك الاتجاه الذي ينادي بالتجديد، ويفهمه على أنه تغيير للمحتوى وليس تطويرا للأسلوب، ويرى أن التغيير يجب أن يطال أصول الدين وفروعه، ليتوافق ومتغيرات العصر. وتتجلى خطورة هذه الدعوة في إخضاع الدين للعقل البشري، ما يعرضه للتغيير المستمر، ما يفقد الأمة أهم مصادر عزتها، فتتحول إلى أمة بلا هوية ولا تاريخ، ولا دين، ذليلة تابعة، وهذا ما يتيح الفرصة لجمعيات التنصير التي تنشط في المجتمعات التي تجهل حقيقة الإسلام، فضلا عن قتل روح الجهاد في النفوس، والعبث بحاضر الأمة ومستقبلها.
آخر ما تفتق عنه ذهن « المحرفون» للخطاب الديني تحت شعار التجديد تلك الأفكار التي تحدث عنها الروائي يوسف زيدان بشأن انكار وجود المسجد الأقصى في فلسطين ونفي رواية المعراج مستندا بذلك إلى أقوال متعارضة مع نصوص قرآنية وأحاديث نبوية، فجاء بكلام يهدم بعضه بعضا.
كيف للأديب يوسف زيدان أن ينكر قدسية المسجد الأقصى وهو أولى القبلتين حيث كان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم يؤم صحابته في الصلاة في بدايات الرسالة باتجاه المسجد الأقصى إلى أن تحول بعد ذلك إلى قبلة المسجد الحرام في مكة، ألا يؤكد ذلك قدسية المسجد الأقصى ووجوده ومكانته من اتخاذ رسولنا الكريم له قبلة للصلاة وهو الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ؟ 
وقد ربطتِ الرسالة المُحَمَّدية بين مكانة كلٍّ منَ المسجد الحرام بمكة المكرمة والمسجد النبوي بالمدينة المنورة والمسجد الأقصى في القُدس المشرفة، فعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تشدّ الرّحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى))؛ متفق عليه.
وأن دعوات التحريف في أصول الدين وثوابته تلك تلتقي وتتحد مع ما يضمره اليهود والغرب المسيحي لهدم مقدسات المسلمين ومسخ الهوية الإسلامية فمنذ الاحتلال الصِّهْيَونِي لفِلَسطين والمحاولات حثيثة ودؤوبة لتدمير المسجد الأقصى وإزالته وإقامة الهيكل المزعوم مكانه، وهم يعملون على تحقيق ذلكَ بشَتَّى الطُّرق والحِيَل والمُخَطَّطَات.. فكان الحريق الإجرامي الشهير الذي وقع للمسجد عام 1967م، وقبله وبعده العديد من الاختراقات التي قام بها متطرّفون صهاينة في حماية سلطات الاحتلال، وكل عام تدعو جماعة أبناء الهيكل إلى اقتِحام المسجد والتمهيد لإقامة الهيكل، وربما يعد التهديد الأخطر الذي يتعرض له هذه الحفريات المستمرة تحت الأقصى بزعم البحث عن الهيكل نفسه، كل تلك الممارسات هي تأكيد على أهمية ورمزية المسجد الأقصى بالنسبة للمسلمين.

النهار

تعليقات

اكتب تعليقك