رفقاً بالمكان وذاكرتنا!.. يكتب ناصر المطيري
زاوية الكتابكتب أغسطس 25, 2015, 12:47 ص 865 مشاهدات 0
النهار
خارج التغطية / تشويه ذاكرة المكان
ناصر المطيري
يرتبط مفهوم الوطن بذاكرة الأماكن التي تسكن وجدان الانسان وترسم تاريخ ايامه ومرابع الطفولة وباقي مراحل العمر، لذلك فان الوطن هو المكان الكبير الذي يحمل له الانسان الحنين والحب وأجمل الذكريات، وهذا الوطن الكبير يضم في تضاريسه امكنة صغيرة تستقر في الذاكرة الانسانية.
جميعنا له في كل زاوية في هذا الوطن ذاكرة ترتبط بحدث او مناسبة او مرحلة عمرية يشتاق لها بين حين وآخر عندما يقلب ذكريات الزمن.
الحنين للمكان حنينٌ لا يفتر ولا يأفل. حنينٌ يرتبط بالدهشة الأولى والارتباط الأول بشيءٍ يسيطر على اللاشعور ولا يظهر الا حينما يفقده المرء.
في الحنين الى المكان حنينٌ الى اشخاص ارتبطتْ بهم الذاكرة وارتبط بهم الوجدان، او حنينٌ لذكرى.
في الحنين للمكان انتصارٌ على المسافة والفراق، فكم من اماكن ظلت قابعةً بدواخلنا حتى بعد الابتعاد عنها، وكم من اماكن ظلّ الحنين يشتد اليها ونحن بين احضانها.
الأماكن كالأفراد، لها خصوصياتها وأحضانها وهي ذاتها التي تزرع فينا القدرة على تفقد قلوبنا حين نفقدها ذات غفلة، اماكن بعواطف بشر تهبك حميمية تشعر بها تناديك كلما زرتها او مررت عليها.
في الحنين للمكان، حنين للروح والعطر والذاكرة، حنين لجماعات طالما شهدت كل تقلبات الأمزجة، ولصداقات عابرة تركت آثارها ربما بشكل اعمق من صداقات دائمة، حنين للوجوه الغريبة قبل تلك الوجوه المألوفة التي تجمدت ملامحها بفعل الحقد او الكراهية او اللامبالاة.
المؤسف والمثير للأسى ان هناك من البشر من يعمل على نسف ذاكرتنا وطمس معالمها في تغيير ملامح الأمكنة وأسمائها وصفاتها دون اهتمام بروح الانسان المرتبطة تاريخيا في عبق هذا المكان، الشوارع تتغير اسماؤها والمدن والضواحي تنقلب مسمياتها ومدارسنا التي تعلمنا بها حروف حياتنا الأولى اخذت اسماءً غير اسمائها.
نتلفت حولنا فلا نجد انفسنا في اماكن الفناها وعشنا اجمل ايامها، طمسوها بالمجاملات والمحسوبيات وركبوا لأماكن ذاكرتنا اسماء لا تمت لها بصلة، أسماء ليس لها تاريخ تعرفه او تألفه الذاكرة الا ما ندر منها.
يا سادة اعلموا ان للمكان بصمة اثرها ثابت في الوجدان لا تغيره اسماء او مسميات، بصمة المكان تجسد الانسان والزمان والفرح والأحزان.
لم يبق لنا من ذاكرة المكان الا حنين قديم لمكان زالت معالمه او تغيرت بفعل تشويه متعمد اهمل مشاعرنا وعواطفنا الانسانية.
رفقاً بالمكان وذاكرتنا، رفقاً بالوطن ونبض قلوبنا، فلم يعد في العمر فسحة لبناء ذاكرة جديدة.
تعليقات