داهم القحطاني يتساءل : ماذا بعد قمة كامب ديفيد ... سم أم عسل ؟

زاوية الكتاب

كتب 569 مشاهدات 0


داهم القحطاني 

 

أختتمت الأربعاء الماضي قمة كامب ديفيد بعد أسابيع من النقاشات العامة حول مصير العلاقات الخليجية الأميركية في ظل التقارب الأميركي الإيراني الذي أصبح علنيا ويتخذ صيغة مواقف تنسيقية تتعدى حتما الملف النووي الإيراني .

هل ستعزز نتائج هذه القمة الخلافات الخليجية الأمريكية ؟ أم ستؤدي إلى عودتها إلى مستوى مقارب لما كانت عليها قبل أن يشعر الخليجيون بالصدمة من مستوى التنسيق العالي بين الولايات المتحدة وإيران ؟ وكيف يمكن تحديد ذلك ؟.

البيان المشترك الذي صدر عن القمة ليس سوى الشكل الدبلوماسي الذي يأمل الطرفان أن تكون عليه العلاقات لكنه -البيان- ليس سوى عبارات صيغت باحترافية ولن تكون له قيمة ما لم يطبق على الأرض وفق مواقف وإجراءات تطمئن دول الخليج بأن البراجماتية الأميركية , وهو بالمناسبة مذهب سياسي وفلسفي نشأ في الولايات المتحدة , لن تكون على حساب التوازن السياسي والعسكري في منطقة الشرق الأوسط وهو التوازن الذي كان يشهد ميلا نحو الطرف الإيراني قبل أن تأتي عاصفة الحزم وتقلل من ذلك إلى حد كبير .

لنرجع إلى نقطة الخلاف الرئيسية : دول الخليج ترى أن رفع العقوبات عن إيران أمر سيفاقم من توتر الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط فإيران التي تقوم على عقيدة التوسع الناعم تنشب مخالبها الآن في العراق وسوريا ولبنان واليمن , كما تهدد بطرف خفي بتحريك من أسماهم الرئيس أوباما مؤخرا ,في مقابلة صحافية , بالعملاء ليثيروا الفوضى في دول المنطقة .

دول الخليج تستغرب من مرونة الولايات المتحدة مع إيران رغم أن النظام الإيراني لم يعلن على أي مستوى بشكل قاطع وواضح التخلي عن إنتاج الأسلحة النووية , وفي ظل وجود مؤشرات تفيد بأن لإيران محاولات لم تتوقف للمضي بإنتاج السلاح النووي حتى بعد توقيع الاتفاقات الأخيرة مع دول 5 + 1 .

كل ذلك يجعل دول الخليج تشعر بقلق حقيقي من سعي الولايات المتحدة لجعل إيران مرة أخرى شرطيا في منطقة الشرق الأوسط بعد فشل محاولاتها الأولى مطلع سبعينيات القرن الماضي حيث اضطر مهندس السياسة الأميركية في تلك الفترة هنري كيسنجر , بعد حظر النفط الخليجي عن الولايات المتحدة , إلى استبدال ذلك بنظرية العمودين المتوازيين التي تقوم على دور إيراني وسعودي معا لحماية أمن الخليج من أي تدخل سوفييتي , ولضمان تدفق النفط إلى السوق الأمريكي .

أما الموقف الأميركي فمن حيث الشكل يتفق مع القلق الخليجي من السياسات الإيرانية بل ويعتبر أن إيران تدعم الإرهاب وتتدخل في الشأن الداخلي لدول عربية عدة , لكنه يفترق عن الموقف الخليجي حين يعتبر أن تسوية الخلافات مع إيران ستكون مدخلا حقيقيا لتخفيف التطرف في سياساتها , وستشجع المعتدلين فيها ليكون لهم دور أكبر في التأثير على صناعة القرار في إيران , فالرخاء الاقتصادي المتوقع بعد توقيع الاتفاق النووي بصيغته الأخيرة , حسب وجهة النظر الأميركية , سيزيد من حجم الاستثمارات والمداخيل في إيران وسيزيد من فرص الشعب الإيراني للحصول مستوى معيشي أفضل بعد عقد من المعاناة بسبب العقوبات الاقتصادية وبالتالي سيخفف كل ذلك كثيرا من التطرف في السياسات الإيرانية .

وجهتا نظر مختلفتان بين دول الخليج والولايات المتحدة قد تكون بداية لتوتر متصاعد في العلاقات بينهما , وقد تكون بداية لعلاقات أكثر رسوخا والفصل في ذلك سيكون للكيفية التي ستحل بها الأزمات في سوريا واليمن والعراق فإذا فشلت الولايات المتحدة في إنهاء هذه الملفات بطريقة تغل فيها يد إيران وتمنعها من العبث فهنا ستعود الثقة الخليجية في الحليف الأميركي .

أما إذا استمرت تلك الأزمات في ظل هيمنة إيرانية في الإقليم فهنا سيدرك الخليجيون بأن الاتفاق النووي بين دول 5 + 1 وإيران ليس سوى صفقة لاقتسام النفوذ شبيهة باتفاقية سايكس بيكو والتي قسمت منطقة الشرق الأوسط آنذاك وفقا لمصالح المنتصرين في الحرب العالمية الأولى .
إذن السياسة الخليجية تحتاج الآن إلى الدهاء أولا للتعامل مع براجماتية الكاوبوي الأميركي وانتهازية ' سادة الشطرنج الإيرانيين' فالعلاقات مع الولايات المتحدة في كل الأحوال يجب أن تستمر من حيث الظاهر قوية ومتجذرة , فليس هناك أي مصلحة في العداء مع الولايات المتحدة.

ولهذا من المهم لفت انتباه الكتاب والصحافيين في الخليج بأن استعداء الولايات المتحدة في المقالات الصحافية وفي سياسة النشر في الصحف سيكون محل ترحيب الطرف الإيراني فالإيرانيون سيرحبون حتما بأي خلاف خليجي أمريكي وسيستغلونه لتوثيق علاقاتهم هم مع من كان يسمونه لعقود ' الشيطان الأكبر ' .

نحن كخليجيين نشهد سنوات مصيرية وفاصلة يجب أن نتعامل فيها بحذر وشجاعة وحزم ودهاء وصبر فالمؤمن كيِّس فطِن , والحرب خدعة , وليست مجرد موقف انفعالي يريحنا قليلا ثم نكتشف إننا تورطنا في أزمة أكبر .

الشرق القطرية

تعليقات

اكتب تعليقك