هيلة المكيمي تكتب عن تداعيات انهيار نظام المقررات

زاوية الكتاب

كتب 1086 مشاهدات 0


 




انهيار نظام
د. هيلة حمد المكيمي 

 
ترتبط قضايا التعليم العام ارتباطا وثيقا بالتعليم العالي والذي يبدأ بمرحلة الحصول على شهادة البكالوريوس الجامعية ومن ثم شهادتي الماجستير

والدكتوراه. فالعلم بناء شامخ ترتقي فيه من درجة الى أخرى أكثر علوا فهو أشبه ببناء شاهق متعدد الأدوار يصعب معه الارتقاء من دور الى أعلى

دون اكمال بناء الأدوار السفلية. ان متانة الأدوار العليا تعتمد على مدى متانة وصلابة مثيلاتها في الأدوار الأرضية والسفلى والعكس صحيح من

حيث ان ضعف وهشاشة أساسات البناء ستفضي بطبيعة الحال الى هشاشة الأدوار التي تليها، مما يعني ان تلك المؤسسات التعليمية ستنتهيي الى

تخريج أجيال تخلو من العمق وليس فقط بأشباه متعلمين او مثقفين بل قد يصل الحال الى أشباه أميين او أميين ولكن بمفهوم آخر.

مراحل التعليم العام هي بمثابة مراحل يتلقى فيها الطلاب جميع أساسات ومهارات الكتابة والتفكير النقدي وسرعة البديهة وقدرة المحاكاة والخطابة

والثقة بالنفس الى جانب الاحترام والانضباط في علاقة الطالب بمحيطه من زملاء وأساتذة وادارة مدرسية، الا انه على مايبدو ان تلك المفاهيم يتم

تلقيها بصورة أخرى بسبب الموروث والمحيط الثقافي. فقد يفسر بعض الأساتذة سواء على مستوى التعليم العام او الجامعي رغبة الطالب في

النقاش على انه خروج على المألوف والنمطية بل البعض قد يراها على انها تعد قلة احترام للأستاذ. وقد تمتد تلك الثقافة لتصل الى المنزل، فكم

من أولياء الأمور الذين يكرسون وقتا كافيا للرد على أسئلة كبيرة تأتي من عقول الصغار، وكم منهم من يدخل في نقاش جاد حول قضايا الحياة

والصحة والسياسة ومستقبل المنطقة مع أبنائهم من المراهقين. تطعيم تلك الثقافة لم يعد ترفا بل حاجة، فالتعليم الجامعي لم يوجد ليحل محل التعليم

العام بتأهيل تلك المهارات في الطلبة ووضع الأساسات، بل وضع لبنة جديدة على تلك الأساسات ومن أجل توفير محيط رحب يكفي لانطلاقة الطلاب

الفكرية والثقافية والنقابية من اجل الابداع والابتكار.

ما دفعني للكتابة حول ذلك الموضوع رؤيتي نظام الثانوية للمقررات يلفظ انفاسه الأخيرة بعد ان ألغي تماما من نظام التعليم العام حيث قلص الى

عدد محدود جدا لا يتعدى الخمس مدارس والتي تضم الدفعات الاخيرة من المنتسبين لهذا النظام. ما يعني باننا سنكون امام خيار تعليمي واحد

والمتمثل بنظام الثانوية العامة التقليدي القائم على نظام السنوات بدلا من المعدل والمقررات. قرار الالغاء من المفترض ان يسهم في رفع مستويات

التعليم الثانوي، الا ان ذلك لم يحدث، فلا زالت مخرجات الثانوية العامة تعيش حالة من الانحدار وهي ظاهرة أشهدها بوضوح من خلال اعداد

المستجدين الذين ألتقيهم مع بداية كل فصل دراسي، والسؤال ما هو جدوى الغاء نظام المقررات في ظل حالة التردي المستمر لمخرجات الثانوية

العامة؟ وهل بالفعل نظام المقررات فاشل ام الخلل في سوء التطبيق؟!

في نقاش مع طلبة مستجدين ذهلت من انعكاس الصورة حول نظام المقررات الذي كان ينظر اليه في الكثير من الاحترام في السابق لجدية التحصيل

وبين النظر اليه في الوقت الحالي على انه نظام يسهل فيه الحصول على أعلى الدرجات دون جهد يذكر، لازلت أتذكر وانا في السنة النهائية في

المرحلة المتوسطة قدوم فريق من وزارة التربية يعمل على الشرح والترغيب بنظام المقررات من حيث انه نظام يقوم على النقاط ويعتمد على الجهد

والمثابرة منذ السنة الأولى لضمان معدل الالتحاق بالجامعة، بل هو ليس الا مجرد نظام جامعي مصغر من حيث حرية اختيار المواد وتغيير الفصول

والأساتذة والتسجيل وبالفعل لم أتردد في اختيار ذلك النظام الا ان حرية اختيار المدارس كانت محدودة لضمان نموذجية تطبيق النظام، فقد كانت لا

تتعدى الخمس مدارس في الكويت كافة والتي توسعت فيما بعد لتتضاءل مرة أخرى لخمس مدارس فقط للتخلص ممن تبقى خاضعا لهذا النظام.

نظام المقررات في مرحلة ما قبل الغزو كان نظاما يسهم في انطلاقة الابداع والتفكير النقدي والبحث الجاد والدفع للتفاعل بالمحيط الثقافي

والعلمي، فكتاب النصوص لا يضم الا نصوصا خالية من الشرح والتوجيه والتعليق من أجل اتاحة الفرصة للعقل لان يذهب بمسارات عديدة

ومختلفة للتوصل للمعاني والأهداف. كان ذلك النظام سببا رئيسا دفعني للاهتمام بالأدب والثقافة والهم العام والبدايات الأولى لتواصلي مع ذلك

المحيط جاءت عبر مكالمة هاتفية مع الشاعر والأديب الكبير د. خليفة الوقيان، بادلته فيها الحديث والحوار والتساؤلات حول قصيدته كاظمة وأنا

في الصف الأول ثانوي- لازلت حقيقة معجبة بسعة صدر الشاعر حيث امتدت المكالمة الى ما يقارب النصف ساعة او أكثر وقد يكون مرجع سعة

الصدر هو تفاعل المثقفين الكويتيين ورغبتهم الحقيقية في انجاح ذلك النظام الذي تمكن من خلق تساؤلات كبيرة في عقول لا تكل ولا تتعب في

البحث عن الحقيقة. كانت المكتبة تلعب دورا هاما في ذلك التفاعل، فقد استطاعت أمينة المكتبة «رضا» استضافة عدد من المثقفين بمن فيهم

الشاعر محمد الفايز والرسام بدر القطان والقطامي والفلكي العجيري والأديب فاضل خلف، لا اعلم اذا مازالت أمينة المكتبة تقوم بهذا الدور ام

تحولت لنفض الغبار عنما تبقى من كتب ودوريات تمت اعادتها أم لم تتم في مرحلة ما بعد الغزو.

إذن من الواضح ان الخلل ليس بالنظام بل بالقائمين على النظام من مدرسين وادارة مدرسية تغيرت كلية في مرحلة ما بعد الغزو، لست من

المتباكين على الاطلال او الماضي، ولست أقول بأهمية العودة لنظام المقررات، بل حقل التعليم يحتاج الى التحديث والتطوير المستمر ولكن

الفيصل يكمن في كفاءة القائمين عليه من مدرسين وادارة وفلسفة ورؤية واضحة تقوم على تحدي العقل والبحث والتفاعل.

بالرغم من تركيز المقالةعلى التعليم ونظام المقررات الا انها حملت اسم الاديب الوقيان لانه كان بوابة انطلاقتي لهذا المحيط ورغبة مني في

ايضاح أهمية دور تلك النخب في ريادة المجتمع الا انها اختارت ان تجلس في المقاعد الخلفية تاركة الريادة لبعض الهواة ممن يقودون تحت شعار

ديموقراطية تحتضر لان الديموقراطية لا تعيش دون انفتاح وروح ليبرالية تبث فيها.
 
 
 

النهار

تعليقات

اكتب تعليقك