التقارب 'التركي – العلوي' خطوة حضارية ممتازة!.. برأي خليل حيدر

زاوية الكتاب

كتب 848 مشاهدات 0


الوطن

طرف الخيط  /  تركيا.. تتفاهم مع العلويين

خليل علي حيدر

 

أشارت صحيفة «الوطن» قبل عام إلى تقرير إسرائيلي بعنوان «يقظة العلويين الأتراك»، يتحدث عن صدام متصاعد بين حكومة حزب العدالة والتنمية في تركيا والطائفة العلوية.
وجاء في التقرير أن «دور حكومة أردوغان في الصراع في سورية ودعم المعارضة السنية ضد بشار الأسد فاقم التوتر بين العلويين والحزب الإسلامي الحاكم». وأضاف التقرير «أن ما زاد من سخط العلويين الأتراك البالغ عددهم 20 مليون نسمة، رفض السلطة تشييد دور عبادة خاصة بالعلويين تعرف بـ«بيت الجمع»- Cem Evi بالتركية- وإطلاق اسم السلطان سليم الأول على جسر جديد سيقام في مضيق البسفور، كون هذا السلطان ارتكب مجازر ضد الطائفة العلوية في البلاد» (2013/10/5).
وفي تقرير ثان نشرته الشرق الأوسط في 2014/7/12، جاء أن الأزمة السورية تقتضي الآن أن تتواصل حكومة تركيا مع العلويين في كل من سورية وتركيا، لتتجنب مخاطر عدم الاستقرار القادم من سورية، لما لعب العلويون الأتراك دوراً ضخماً في المسيرات المعارضة لحزب العدالة والتنمية، حيث يعتبر العلويون سياسة تركيا معادية لهم طائفياً أو مضرة، بسبب ما يرونه انحيازاً للسوريين السنة. ويتعاطف العلويون في تركيا مع العلمانيين منذ أيام أتاتورك، «قادهم إلى ذلك موقف الدولة العثمانية السابق ضدهم، وعلى اعتبار أن إعلان الجمهورية سيكون نهاية لاضطهادهم، حتى نظروا إلى أتاتورك كمخلص. ففي مناسباتهم الدينية يضعون صورته إلى جانب صورة ترمز إلى الإمام علي بن أبي طالب» (النصيرية العلوية بسورية، رشيد الخيون، دبي- دار مدارك، 2012، ص144).
ويحظى حزب الشعب الجمهوري العلماني بتعاطف العلويين اليوم ويحظى بشعبية بينهم، وهو حزب معارض لحكومة أردوغان، كما أنه متواصل بالفعل مع نظام البعث في دمشق، ليحوز قبول العلويين السوريين. وتذهب توقعات بعض الخبراء إلى أن سورية قد تتفكك إلى دولة ضعيفة مقسمة، وبصرف النظر عن بقاء الأسد أو رحيله، فسوف تواجه تركيا اضطرابات قد يكون محورها النزاع بين العلويين والسنة، على عتبة بابها في الجنوب.
ولم يكن الطابع الديني أو المذهبي بارزاً في الطائفة العلوية التركية حتى انقلاب سبتمبر 1980. «فقد عزز الانقلاب الاتجاهات المتشددة، وفرض عليهم التدريس الإجباري لمادة الدين على المذهب الحنفي».
ويضيف «الخيوان» أن مثقفي العلويين أصدروا في مارس 1989 بياناً يلخص اعتراضاتهم على الضغوط المذهبية جاء فيه:
-1 إن العلويين جناح من الإسلام بتركيا.
-2 إن السنة الأتراك لا يعرفون شيئا عن مواطنيهم العلويين ما عدا الشائعات، فالإعلام لا يقدم شيئاً عنهم. وهناك دعاية في المدارس ضدهم.
-3 رئاسة الشؤون الدينية بتركيا لا تمثلهم، وعلى الدولة منع الرئاسة الدينية من إشادة الجوامع السنية في قراهم ومناطقهم.
-4 الدولة تعمل على تجاهلهم، وأن معاداتهم تؤثر في السياسة التركية تجاههم فأعضاء الحكومة والبرلمان يخشون التلفظ بكلمة «علوي»، والدولة تمزج بين العلوية والفكر الشيعي الإيراني، وهذا خطأ.
-5 لقد انتهى اضطهاد العلويين بقيام الدولة التركية، بعد الحرب العالمية الأولى، لكن الضغوط الاجتماعية والدينية ضدهم ظلت مستمرة. (الخيون، ص145).
جاء في مقابلة أذيعت يوم 2014/11/29، في القناة التركية- العربية، أن جمعاً من رجال الدين العلويين، ويسمى رجل الدين العلوي «دده»، قد اجتمعوا برئيس الوزراء السيد أحمد داود أوغلو، وسلموه ورقة بـ12 مطلباً من بينها السماح لهم بالتعيين في مناصب الدولة الرفيعة، وشرعنة دور عبادتهم، واجراء بعض التعديلات الدستورية التي تحد من حرياتهم حاليا ومنها مثلا اخراج رئاسة الشؤون الدينية عن الهيمنة للحكومة، وعدم اجبار التلاميذ على دروس التربية الدينية المدرسية لانها لا تراعي الاختلافات المذهبية، وتولي المؤسسات العلوية بدلا من الاوقاف التركية الاشراف على مزارات، ومدافن شيوخ العلويين وبخاصة «بكداش ولي» وانشاء معاهد عليا لتدريس فقه المذهب العلوي،وعدم فرض المساجد السنية في القرى العلوية، وتدريس التاريخ الاسلامي والوطني في المدارس التركية وفق منهج يوافق عليه الجانبان، وحماية المقابر والمزارات العلوية لدى تنفيذ المشاريع ومد الطرق، واعتبار يوم عاشوراء عطلة رسمية، واخيرا تسمية الجسر الجديد المزمع مده فوق البسفور بالشاه اسماعيل الصفوي، لانه كان تركيا كذلك مثل السلطان سليم.
ولا يسهل على الحكومة التركية حتى لو وافقت ان تلبي كل هذه المطالب، حيث يتطلب بعضها مثل تعديل مواد الدستور اجراءات برلمانية بحاجة لموافقة الاحزاب الاخرى، ولكن الحكومة وعدت بتنفيذ كل ما تستطيع منها حيث عمدت فورا الى تخصيص مقعد للفقه الشيعي في كلية الشريعة، وتقدمت بدورها بحزمة من الحقوق للعلويين منها تخصيص رواتب شهرية لموظفي دور العبادة العلوية ودفع بقية مصاريف ادارتها ونفقاتها، وجعل تدريس المذهب العلوي مادة اختيارية في المدارس الحكومية لتشجيع الطلبة من المذاهب الاخرى على فهم المذهب العلوي، واعادة دراسة الهيكل الوظيفي لتعيين ذوي الكفاءة من العلويين في مختلف المناصب الحكومية، واعادة تسمية بعض المدن، والتباحث بشأن وضع دستور جديد يساوي بين كل المذاهب والاديان، بدلا من دستور 1925 الذي وضع في زمن مصطفى كمال اتاتورك، وتضمن مواد تحد من حقوق وحريات المتصوفة والعلويين وتغلق بعض مؤسساتهم.
ولكن حتى في تركيا نحن لا نعرف العدد الحقيقي للعلويين، فقد ذكر في التقرير المشار اليه في اول هذا المقال ان عددهم 20 مليونا، ونشرت «الوطن» في يوم 2014/12/2 ان دراسة تعتبر الاهم حول البنية العرقية والمذهبية والاجتماعية في تركيا اعدها الباحث طارخان ارديم، قدرت ان %6 من سكان تركيا يدينون بالمذهب العلوي – سكان تركيا 76 مليوناً عام 2010 - ولكن العلويين يقدرون انفسهم بنحو 25 مليونا نسمة، «فيما تبين البيانات غير الرسمية ان تعدادهم يبلغ بين 7 و 20 مليونا، ويقول باحث ان العلويين «يمتنعون عن الافصاح عن هويتهم خوفا من الاضطهاد على الرغم من النظام العلماني السائد في تركيا. وذلك لاسباب تاريخية ترجع الى عهد العثمانيين، لاسيما المذابح التي ارتكبوها ضدهم في القرن السادس عشر».
سياسة التقارب والتفاهم التي تتبعها الحكومة التركية ازاء العلويين تستحق الاشادة لكونها خطوة حضارية متميزة، من شأنها تعزيز التسامح والتعددية في عموم المنطقة والعالم الاسلامي.
ولكن لنا ان نتساءل عن مناهج التربية الاسلامية في سورية ان كانت تنصف كل المذاهب وتلبي كل المطالب!

الوطن

تعليقات

اكتب تعليقك