سر تأخر المجتمعات العربية!.. بقلم محمد المقاطع

زاوية الكتاب

كتب 650 مشاهدات 0


القبس

الديوانية  /  حينما نسيء إلى أنفسنا!

أ.د محمد عبد المحسن المقاطع

 

ما الذي يميز الناس بعضهم عن بعض، سواء في المجتمع الواحد أو في أي من المجتمعات؟ بل ما الذي يميّز مجتمعاً عن آخر؟ لا شك في أن ما يميز أياً منها هو مستوى الرقي والأدب في التعامل الإنساني والأخلاقي، والتحضر الأخلاقي وعلو منزلة الموروث الثقافي والاجتماعي السائد في المجتمع. ولنتذكر جميعا أن العديدين منا يتكلمون عمَّا يرونه في المجتمعات الغربية من تعامل راقٍ حمل البعض منا قديما وحديثا إلى القول إنه «رأى لديهم أخلاقيات الإسلام، ولم ير مسلمين»! فما الذي ينقصنا؟!

لا بد لي بين يدي هذا الموضوع أن أقرر الحقيقة اليقينية لنا، نحن المسلمين، ألا وهي أن رسولنا الأعظم (صلى الله عليه وسلم) هو رسول الأخلاق ومعلمها بالقدوة التي تزخر بها سيرته المعطرة، فقد احتكمت قبائل قريش إليه يوم تنازعت بشأن أحقية أي منها في وضع الحجر الأسود، فلما دخل عليهم فرحوا بقدومه ووصفوه بــ «الصادق الأمين»، وقد كان أهل مكة يودعون لديه أموالهم من عظيم ثقتهم بأمانته، وذلك كله قبل بعثته (صلى الله عليه وسلم). وقد قال (عليه الصلاة والسلام): «إنما بُعِثْتُ لأتمم مكارم الأخلاق»، فما الذي حدث عندنا؟ وأين الخلل؟!

في ظني أن مكمن الخلل أتى إلينا من ثلاثة مصادر:

أولها: تخلينا عن القيم الدينية، فقد حدث تراكم خطير في اعتياد كثير منا ونشره، بل وتشجيعه للعديد من السلوكيات التي ندرك أنها تناقض قيم الإسلام، ونحاول تبريرها، كما هو الشأن في التساهل بالثواب والعقاب، أو في تمرير المعاملات الخاطئة أو التساهل في التغيّب عن العمل، أو إخفاء الحقيقة، بل وحتى الغش، فضلاً عن عدم الأمانة وعدم الإخلاص في العمل، وأخذ حقوق الآخرين وهضمها.. وغيرها.

وثانيها: توالي نماذج سيئة من السياسيين وطغيانهم، وتسيّدهم حياتنا العامة، وهؤلاء أشاعوا بين الناس أخلاقيات التزلف والنفاق والتنافس اللامشروع والطعن والمساس بكرامات الآخرين وأخلاقياتهم، واستصغار الآخرين، وعدم احترام الرأي الآخر وضياع آداب الاختلاف، وجعلوا شعارهم «الغاية تبرر الوسيلة» فأسقطوا القيم.

وثالثها: تمردنا كأفراد على الخلق والتعالي على الناس، فلم ندرك أن إنتاجية أحدنا ضئيلة، بل قد تكون صفراً، ومع ذلك فلا نقدر النعمة، بل نرى غيرنا أقل منا، ونود أن نقبل بالجامعة بلا استحقاق، وأخذ الوظيفة من دون تأهيل، والتمارض عن العمل، والسفر والتغيب عن الدوام، والنظر للغريب وكأنه «يشحت» في بلدنا، ونحن نأكل ما لم نزرع، ونستخدم ما لا نصنع ونستهلك ونتسلى، ونتعامل بما قدمه الآخرون لنا، وحتى في بلدانهم، نتصرف بلا مسؤولية..

باختصار، نمتدح أخلاقيات المجتمعات الأخرى لأننا تخلينا عن أصالتنا، فسلكنا ما أوصلنا الى الإساءة الى أنفسنا، وهو سر تأخر مجتمعاتنا العربية، رغم امتلاكنا كنوز الأخلاق.

اللهم إني بلغت.

 

القبس

تعليقات

اكتب تعليقك