خليل حيدر يكتب عن حقيقة معدلات الفقر والتضخم في اسرائيل
زاوية الكتابكتب أكتوبر 16, 2014, 12:47 ص 914 مشاهدات 0
الوطن
أفكار وأضواء / عشر سنوات.. من اقتصاد إسرائيل
خليل علي حيدر
يفترض البعض أن الذين يوجهون النقد اللاذع وألوان الهجوم إلى اسرائيل هم العرب وحدهم او المسلمون فقط. والواقع ان بعض الكتاب اليهود لا يقلون نشاطا في هذا المسعى، بما في ذلك الجوانب السياسية والاقتصادية.
كان من بين هؤلاء احد الكتاب اليهود البلغار ويسمى «آربن» Arben في كتاب له بعنوان «إسرائيل».
ويرى آربن ان بعض كبار الاثرياء والمستثمرين الدوليين سعوا في اقامة هذه الدولة، من اجل مضاعفة ثرواتهم فحسب!
«وجد الرأسماليون اليهود امثال البارون «هيرشي» والبارون «روتشيلد» في اليهود الذين هاجروا من مختلف دول اوروبا هربا من الاضطهاد صيدا ثمينا، اذ وجدوا فيهم يدا عاملة رخيصة فأخذوا يستغلونهم تحت ستار الانسانية والشفقة، وأنشأوا لهم مستعمرات زراعية في فلسطين والارجنتين، وعاش اليهود في ظل الاستغلال والاحتكار في حالة لا يحسدون عليها ومات آلاف منهم في فلسطين».
ويضيف «آربن» ان الحركة الصهيونية بدعايتها الواسعة، استطاعت في نهاية القرن التاسع عشر ان تحول جميع يهود العالم الى فلسطين، وان تغرر بفقراء اليهود وتنتزعهم من اوطانهم دون نجاح كبير في السنوات الاولى. ففي السنوات ما بين 1925/1911 مثلا، بلغ عدد المهاجرين الى الولايات المتحدة 1.703.000 يهودي، والى البلاد الاخرى 340.000 على حين لم يصل الى فلسطين سوى 76.000 يهودي فقط.
ويقول ان الانجليز اخذوا يشجعون الهجرة الى فلسطين، ولم تلبث اسرائيل ان اصبحت بعد 1948 مركز اشعاع للنفوذ الامريكي، واخذت امريكا تقدم لاسرائيل مساعداتها التي جعلت الاقتصاد الاسرائيلي تحت التبعية الامريكية، وصارت الازمات الاقتصادية الامريكية تنعكس على الاقتصاد الاسرائيلي، «الذي كان يصاب بالالتهاب الرئوي Pneumonia، عندما يصاب الاقتصاد الامريكي بمجرد زكام.
ان المجتمع الاسرائيلي، يقول «آربن» عن سنوات ظهور اسرائيل «هو مجتمع الثراء العريض والفقر المدقع». وينقل عن رئيس الشعبة الاقتصادية في الوكالة اليهودية قوله: «ان فساد المجتمع الاسرائيلي يرجع الى انه يتكون من فقراء معدمين ومن اثرياء موسرين، فقد اعتادت الوكالة اليهودية ان تهجر الى اسرائيل اليهود الفقراء حتى تستطيع ان تقذف بهم الى الصحراء والى مستعمرات الحدود، وكذلك اعتادت ان تهجر اليهود الاثرياء الذين يستطيعون استثمار اموالهم ويستطيعون العيش من الربا وما يحصلون عليه من فوائد وعائد هذه الاموال». ويحدث هذا بالنسبة لليهود الفقراء الذين لا يتقنون حرفة، يقول «آربن»، اما هؤلاء الفقراء الذين يحترفون صنعة فهم يتبعون الاثرياء في المدن ليعملوا يوما ويقضوا اياما بحثا عن العمل وعلى اية حال فالنتيجة واحدة بالنسبة لفقراء الصحراء وفقراء المدن، فالجوع لازمة حتمية للفريقين.
ويضيف ان الباحث الاجتماعي الاسرائيلي «آربيه»، نشر عدة مقالات في الصحف الاسرائيلية سجل فيها ان الجوع قد دفع بآلاف الآباء الى الهرب من اسرهم لعجزهم عن اعالتها، وكذلك دفع الجوع بعشرات الآلاف من الابناء الى ان يهيموا على وجوههم بحثا عن شيء يدفع عنهم غائلة الجوع. ويقول «آرين» في احد فصول كتاب عن اسرائيل اول ما ظهرت: «في احد شوارع «بتاح تكفا» عُلق اعلان متواضع كُتب على قطعة من الورق جاء فيه: «صيام عن الطعام.. خمسة اطفال للبيع».
ويقول «ان من بين آفات المجتمع الاسرائيلي آفة التضخم، وآفة الغلاء، ولقد بلغ من سرعة ارتفاع تكاليف المعيشة ان اضطرت الحكومة الى تعديل نسبة علاوة غلاء المعيشة كل ثلاثة شهور، وهو امر لا مثيل له في جميع اقطار العالم، ولكن الحكومة لم تستطع ملاحقة ارتفاع تكاليف المعيشة المطرد، فاضطرت الى جعل هذا التعديل مرة كل ستة شهور، وكان ذلك في عام 1957».
ومن الجوانب التي تستوقف القارئ في تطور الاقتصاد الاسرائيلي دور التضخم هذا، حيث يقول آرين: «ان التضخم يقتل الاقتصاد الاسرائيلي، وقد فقدت العملة الاسرائيلية اكثر من %87 من قيمتها الاصلية، وارتفعت تكاليف المعيشة الى حد خيالي، فقد بلغت في المتوسط %530، ومن المواد التموينية الرئيسية ما ارتفع سعره بنسبة %2300 مثل الارز وبنسبة %100 مثل الزيت، وبنسبة %770 مثل الكاكاو».
ماذا عن رواتب العمال في تلك المرحلة؟
لقد نشر المكتب المركزي الاحصائي جدولا تبين من ان %75 من مجموع العمال يتقاضون اجرا اقل من 200 ليرة شهريا، وهذا المبلغ دون الحد الادنى لتكاليف المعيشة بكثير، وهنالك باقي العمال يتقاضون 160 ليرة، وهو مبلغ لا يكاد يبقي على العامل حياته ونفسه، هذا بغض النظر عن جمهرة العاطلين وجيش انصاف العمال وهم الذين يعملون ما بين 15-12 يوما في الشهر (في داخل اسرائيل، علي محمد علي، القاهرة، 1963، ص199-196).
درس الاقتصادي الامريكي «الكس روبنر Rubner في كتاب بعنوان الاقتصاد الاسرائيلي» The Economy of Israel اقتصاد هذه الدولة في سنوات التأسيس العشر ما بين 1958-1948.
ففي عام 1948 تركت حكومة الانتداب جميع المرافق في حالة فوضى عامة، ورفضت الموافقة على منح اذونات الاستيراد وامداد البلاد بالمواد الغذائية وقطعت اتصالات البريد والمواصلات وامرت السفن البريطانية بعدم الذهاب الى حيفا كما تم اغلاق معمل تكرير البترول هناك وفي العام نفسه ابعدت فلسطين من الكتلة الاسترلينية، وبهذا تجمدت الارصدة الفلسطينية الاسترلينية، كما طبعت اسرائيل اوراق العملة الجديدة وحذت اسرائيل حذو انجلترا في العام التالي فخفضت عملتها 0.353 وفي سنة 1951 اصبحت اسعار السوق السوداء هي المسيطرة على السوق، وباتت ثروات اسرائيل المادية في ادنى مستوى لها، وتخلت وزارة المالية عن كل ادعاء في المحافظة على سعر الصرف الرسمي، واشتركت بوساطة البعض في السوق السوداء، كما شجعت سياسة استيراد البضائع الهامة بدون دفع، وذهب «بن غوريون» الى الولايات المتحدة لبيع سندات الحكومة الاسرائيلية وحصل في نهاية 1951 على 740 مليون دولار.
كانت سنة 1952، يقول «روبنر» فترة رخاء نسبي في اقتصاد اسرائيل، وارتفع المستوى المعيشي عن اي وقت مضى خلال العشر سنوات، وفي مايو من العام نفسه استقال كل من امين صندوق خزانة الوكالة اليهودية منذ 1923 و«ديفيد هورفنز» وزير المالية منذ قيام اسرائيل لانهما لم يخضعا لأوامر رئيس الوزراء بتخصيص نسبة من العملة الصعبة لحاجات الجيش وحل محلهما «ليفي اشكول» الذي اصبح وزيرا للمالية منذ ذلك الوقت، و«بنحاس سافير» الذي اصبح وزيرا للتجارة والصناعة. وفي سنة 1953 بلغت المساعدة الامريكية كما في الاعوام السابقة 7 ملايين جنيه، كما جاءت اول مبالغ التعويضات الألمانية الى اسرائيل. فقد وقعت ألمانيا الغربية في العام الماضي، 1952، اتفاقية التعويض التي تتسلم بموجبها اسرائيل عملة ألمانية وبضائع تبلغ قيمتها 814 مليون دولار خلال الاثني عشر عاما المقبلة.
بدأت في سنة 1954 فترة من الاستقرار بسبب زيادة كبيرة في المساعدات والقروض، واصبحت الدولة في مركز يعطيها الحق في الانضمام الى صندوق النقد الدولي، الذي ساهمت فيه بمبلغ ½ 4 مليون دولار، وخفّت في اسرائيل ازمة العملات الاجنبية وزاد الدخل من العملات الاجنبية من جراء الصادرات التجارية سنة 1954 اكثر من السنوات السابقة.
وفي بداية سنة 1956 بلغت التعويضات الفردية ليهود ألمانيا 60 مليون جنيه سنويا، وانزعج وزراء الاقتصاد في اسرائيل في تلك الآونة من بيع كثير من المشروعات الصناعية الكبيرة الى «الهستدروت»، أو نقابة العمال الاسرائيلية، لئلا يؤدي هذا التوسع في امبراطورية الهستدروت الى نتيجة مضادة لحملات المساعدات في امريكا، كما شهدت هذه السنة اكبر عجز في تاريخ الميزان التجاري بلغ 357 مليون دولار، وكان ذلك نتيجة لحرب سيناء.
وفي عام 1957 تم افتتاح ميناء «إيلات»، وبذلت الحكومة محاولات فاشلة لتعمير صحراء النقب، كما تم الاعلان عن ان المشروعات التي ستجرى في المدن الحديثة ستتلقى مساعدات بشكل قروض تساوي %80 من رأس المال المستثمر.
وفي هذه السنة، حدث اعظم اضراب في تاريخ اسرائيل في مصنع «عطا» للمنسوجات، وهو اكبر الصناعات الخاصة في اسرائيل. وكان السبب ان صاحب المصنع تمسك بالمبدأ القائل بأن المدير له حق فصل أي عامل غير ذي كفاية، واستمر الاضراب اكثر من ثلاثة اشهر، وانتهى بالتوفيق بين الطرفين.
وفي هذه السنة ازدهرت الحاصلات الزراعية وازدادت محصولات السكر والقطن. وفي مارس وافق الكنيست على قانون الفوائد، واستعمل وزير المالية سلطته في ان يعلن ان قيمة هذه الفائدة اصبحت %11 كحد اعلى لفوائد القروض العادية، و%10 للقروض الزراعية والصناعية و%6 لبعض القروض الاخرى. وشهد عام 1958 بيع معمل تكرير البترول في حيفا لشركة يهودية، وفي الخريف افتتحت ميناء ايلات انابيب تصل البحر الاحمر والبحر الابيض لنقل البترول.
استوقفتني ولا تزال، كما تلفت انظار الكثيرين حتما، كل هذه الاحصائيات عن الفقر في اسرائيل والقروض والتضخم والضغوط بينما نقول دائما في ثقافتنا السائدة عن اليهود ان اموال الدنيا بيدهم، وبنوك العالم رهن اشارتهم، ومصير الاقتصاد الدولي مرتبط بهم.
فكيف ينسجم هذا.. مع هذا؟
سنواصل الحديث في مقالات قادمة!
تعليقات