'دواعش' العصر المملوكي!.. بقلم خليل حيدر

زاوية الكتاب

كتب 718 مشاهدات 0


الوطن

طرف الخيط  /  'دواعش'.. العصر المملوكي

خليل علي حيدر

 

تعرض مسيحيو مصر واليهود الى فترات عديدة من التمييز والاضطهاد خلال عهد المماليك في مصر. من نماذج هذه المعاملة السيئة كما تصفها كتب التاريخ طردهم من العمل في الدواوين وهدم بعض كنائسهم وأديرتهم أو تحويل بعضها الى مساجد. ومنها التضييق عليهم كإلزامهم بتصغير عمائمهم مقارنة بعمائم المسلمين، مع تلوينها باللون الازرق للنصارى والاصفر لليهود، ومنعهم من ركوب الخيل، والسماح لهم بركوب الحمير شرط ألا تزيد قيمة الحمار في السوق على المائة درهم. واذا مرّ احد هؤلاء الاقباط أو اليهود بمسلم، لابد ان ينزل عن حماره، وان يُظهر المسكنة. ومنها عدم السماح لأحدهم بدخول الحمامات العامة إلا بصليب أو جلاجل في رقبته، بحيث لا تدخل نساؤهم مع نساء المسلمين حماماً واحداً. هذا عدا إرهاقهم في فترات الاضطهاد بالمغارم والضرائب، كما ينتهز الغوغاء و«النهابة» الفرصة لمهاجمة دور أهل الذمة ونهبها، كما يتسلطون عليهم في الطرقات فيضربونهم بالنعال ويمزقون ثيابهم، حتى يضطر كثير من اهل الذمة الى الاختفاء حتى تهدأ الحال.
وكانت حوادث كهذه تجري في القاهرة والصعيد والوجه البحري. من ذلك انه حدث مرة سنة 708هـ - 1308م، ان شخصا صاح فجأة في احد مساجد بلدة قوص، «يا اصحابنا الصلاة في هدم الكنائس»! فلم يأت ظهر اليوم نفسه حتى هُدمت ثلاث عشرة كنيسة، كما جاء في كتب المؤرخين (المجتمع المصري في عصر سلاطين المماليك، د.سعيد عاشور، القاهرة: دار النهضة، 1962، ص45).
ومما يلفت النظر في موجات الاضطهاد هذه انه جرت العادة ان يشتد العداد ضد طائفة ويهدأ عن الاخرى، «فإذا اشتدت الازمة ضد النصارى وسكن الموقف بالنسبة لليهود، فإن النصراني في هذه الحالة اذا اراد الخروج من داره يستعير عمامة صفراء من احد جيرانه ويلبسها في الطريق حتى يسلم من اذى العامة».
وكان بعض المسيحيين يحاول الرد والانتقام بالحرق، ولكنهم في الغالب كانوا يحاولون دفع البلاء بالوسائل السلمية ومنها بذل الاموال الطائلة لأهل الدولة. ومنها ايضا اظهار الاسلام حتى يستردوا مركزهم الادبي في المجتمع ويرتاحوا من بلاء التمييز. وفي هذا يقول المقريزي: «ألجأت الضرورة بعضهم الى اظهار الاسلام أنفة من لباس الازرق وركوب الحمير». وفي بعض الحالات يأمر السلطان بعرض الاسلام على بعضهم، كما يقول المقريزي، «فمن امتنع عن الاسلام ضربت عنقه.. حتى يقال انه اسلم في مدينة «قليوب» في يوم واحد اربعة وخمسون نصرانيا». ولهذا لم يكن معاصروهم من المسلمين يثقون بأمثال هؤلاء حتى بعد اشهارهم الاسلام.
وفي كتاب د.حياة ناصر الحجي «احوال العامة في حكم المماليك»، الكويت، 1984، فصل عن الحياة الاجتماعية ومنها حياة اهل الذمة في مصر ذلك الزمان. ففي الاسكندرية ثار الاهالي على المسيحيين «وهدموا لهم كنيستين، وهدموا دور اليهود والنصارى التي تعلو على دور جيرانهم المسلمين، وحطموا مساطب حوانيتهم حتى صارت اسفل من حوانيت المسلمين».
كما نودي في القاهرة ومصر «ان من امتنع من النصارى من لبس العمامة الزرقاء نُهب، وحلّ ماله وحريمه، فامتدت أيدي العامة الى اليهود والنصارى، وكادوا يقتلونهم من كثرة الصفع في رقابهم بالأكف والنعال، فامتنع الكثير منهم عن المشي في الاسواق خوفا على نفسه». (ص288).
وفي احدى حوادث عام 1321 هاجم الغلمان والعامة وهم يصرخون «الله أكبر» كنيسة الحمراء، وكانت من أعظم الكنائس وفيها اموال كثيرة وراهبات، «فصعدت العامة فوقها وفتحوا أبوابها ونهبوا أموالها وخمورها. وانتقلوا الى كنيسة كانت معبداً جليلاً فكسروا بابها ونهبوا ما فيها، وقتلوا منها جماعة، وسبوا بنات كن بها تزيد عدتهن على ستين بكراً. فما انقضت الصلاة حتى ماجت الارض، فلما خرج الناس من الجامع رأوا غبار ودخان الحريق قد ارتفعا، وما في العامة إلاّ مَنْ بيده بنت قد سباها أو جرة خمر أو ثوب أو شيء من النهب، فدهشوا وظنوا أنها الساعة قد قامت». (ص291).
ولم يكن مسموحاً للنصارى واليهود ابراز مظاهر الثراء والنعيم ومزايا العيش الكريم وحتى الركوب على سرج أو تقلد السيف أو ركوب الخيل والبغال أو نقش خواتمهم بالعربية. وكانت نساؤهم ممنوعات من التشبه بنساء المسلمين، وكان عليهن لبس الازار الازرق للمسيحية والاصفر لليهودية، وتلبس المرأة خفين احدهما اسود والآخر ابيض. وكان على «اهل الكتاب» ألا يجاوروا المسلمين بموتاهم، ولا يرفعوا بناء قبورهم، ولا يعلوا على المسلمين في بناء، ولا يضربوا بالناقوس إلا ضرباً خفيفاً، ولا يرفعوا أصواتهم في كنائسهم، ولا يمشوا وسط الطريق توسعة للمسلمين، ومن زنى بمسلمة قُتل.

الوطن

تعليقات

اكتب تعليقك