الخطر كما يعتقد عبد المحسن المشاري يكمن في عقول همومها أكبر من أن تحملها أمة

زاوية الكتاب

كتب 738 مشاهدات 0


الشاهد

الأمراء والسلاطين

عبد المحسن المشاري

 

في دفاتر الحكاية القديمة نقرأ أن شيخاً بعث إليه بعض السلاطين بأبنائهم ليعدهم لخلافتهم في السيطرة على رقاب العباد والتحكم بمصائرهم. فجمعهم هذا الشيخ وذهب بهم إلى الغابة،وهناك وبعد أن خيل إليهم أنه سوف يتحدث عن تاريخ الشعوب وعن المعارك الفاصلة في عمر الأرض، وجدوه وقد وضع كتبه جانباً ثم قال: اليوم سوف أعلمكم كيف تطبخون الضفدع حياً. نظر الأمراء إلى بعضهم ليتأكدوا من أنهم سمعوا الهذيان نفسه، وعندما عادوا إليه بأبصارهم التي بدأت تشكك في العمر الافتراضي لعقل هذا المتأرجح بين الموت والموت كان يتابع كلامه وكأن شيئاً لم يكن, لنرى من منكم لديه بعض الحلول؟ ترددت الكلمة بين جدران أدمغتهم استغراباً، وأذهلتهم غرابة السؤال لكن أحدهم رد بعفوية قائلاً:ببساطة نطبخه في إناء فيه ماء يغلي. رد الشيخ في تهكم: وما الذي سوف يغريه بالبقاء في إناء لايوجد به إلا ماء؟ ويغلي أيضاً، ترى لو كنت مكانه هل كنت ترغب في البقاء؟ سكت الجمع الأميري، وأحس الجميع بسحابة من الغباء تظللهم، أما العجوز وبعد أن حطم أسوار المقام السلطاني في نفوس صغار التيجان، وبعد أن زرع في قرارة ذاتهم أنهم بحضرة من هو أعلم منهم بكثير، هنا قال:لا، ثم نقش قاعدته الخبيثة في قلوبهم: لو وضعنا الضفدع في الماء الساخن لقفز منه فوراً مهما كانت المغريات بدافع حب البقاء، ولو وضعناه في ماء دافئ لبقي قليلاً ثم قفز خارجاً طلباً للغداء، لكن لو وضعناه في الماء الدافئ فوق النار الهادئة ووضعنا في الماء بعض الطعام بطريقة تجعل الحصول عليه صعباً ولكن ليست مستحيلة فإن الضفدع سيبقى في الإناء حتى يموت مغلياً. لماذا لايقفز والماء يغلي؟! قال الشيخ سائلاً نفسه: لأن ردة فعله التي كان يتميز بها قد تم ترويضها بالماء الدافئ الذي زادت سخونته تدريجياً، حتى أصبحت ردة الفعل تلك خيطاً من دخان لا يعلم أحد أين ذهب. ثم أكمل الشيخ رافعاً صوته: هكذا أيتها العقول الفارغة تُحكم الأمم، هكذا توضع الأغلال في أعناق الشعوب، تلك التي لاطاقة لكم بمواجهتها ولاقدرة لكم على تحمل غضبها، أشغلوها بالبحث عن طعامها بيد وباليد الأخرى حافظوا على استمرار اتقاد النار الهادئة تحتها في ازدياد محسوب، احذروا أن تزيدوا حدة النار فجأة إلابعد أن تروا أطرافها ولكن بالقدر الضروري فقط لإشغالها عن التفكير في ماتحت الإناء. ثم أخذ الشيخ في التحرك أمامهم واضعاً يديه خلف ظهره وهو يقول: هناك عقول لاتستطيع التفكير في أكثر من أمر واحدِ في الوقت نفسه، اشغلوها بذاك الأمر، وهناك عقول جست في محيط جسدها لاتفكر إلا في إشباع رغباتها اجعلوا تلك الرغبات أفقاً لانهاية له. ثم توقف الشيخ ووجه إليهم نظرات حادة قوية نفذت إلى أعماقهم وقال:ولكن الخطر ورعب الخطر في عقول تتعب في مرادها التواريخ، عقول ترى من خلال الأعمال مستقبل النوايا،وتقرأ الخطى جيداً،فتعرف المصير، عقول ترفض مبدأ الإناء من أساسه وتعرف كل الحيل،عقول تأبى أن تعيش في غير الرؤوس همومها أكبر من أن تحملها أمة، وطموحاتها أعلى منزلة من نجمة، وعزائمها لايفنيها حتى الموت، إذ هي تنزرع في كل من عرفهم وآمن بما آمنوا به.
تغرب لامستعظما غير نفسه
ولاقابلاً إلا لخالقه حكما
إن واجهتكم مثل هذه العقول فقد استعصت على من كانوا قبلكم، نصيحتي إليكم أعطوهم مايطلبون ولن يطلبوا غير حقهم، فإن لم تفعلوا فسوف يعلون ثم لايعطونكم ماتطلبون.

الشاهد

تعليقات

اكتب تعليقك