عن الدبلوماسية الثقافية ومكافحة الإرهاب - يكتب علي الطراح
زاوية الكتابكتب سبتمبر 27, 2014, 1:27 م 686 مشاهدات 0
كان لنا لقاء نناقش فيه الدبلوماسية الثقافية في الدول الفرانكفونية، وقد وجهت لي الدعوة من قبل معهد الثقافة الدبلوماسية في برلين للمشاركة في طاولة مستديرة تضم بعض السفراء والمندوبين الدائمين لدى منظمة اليونيسكو. والنقاش حول الدبلوماسية الثقافية مازال يحيط به بعض الغموض، خصوصاً أن بعض الدول قد تستغل الوسيلة الثقافية من أجل تحقيق مصالح وطنية خاصة بها، إلا أنه ليس لدينا اتفاق دولي حول تسويق قيم ثقافية مشتركة تمثلنا كبشر على اختلاف ثقافاتنا، وهذا يشكل أحد أكبر الثغرات في الدبلوماسية الثقافية في العالم.
وتعتبر فرنسا من الدول الفاعلة في برنامج الدبلوماسية الثقافية، فهي سباقة في هذا المجال، إلا أن الإشكالية التي ينبغي أن نتفق عليها هي أن اللغة الفرنسية المشتركة بين الدول الفرانكوفونية، وعلى اختلاف مستويات تقدمها، لا تشكل أداة محايدة للتفاهم الثقافي لكون اللغة تعبر عن ثقافة، وبالتالي، فإن اللغة الفرنسية تحمل في طياتها قيماً ثقافية تخص المجتمع الفرنسي، وهذا ربما يشكل أيضاً إحدى الثغرات. وفرنسا ذات تاريخ مليء بالقيم الإنسانية، وهي التي شكلت قيم حقوق الإنسان في العصر الحديث، وعليها أن تقود العالم نحو تفاهم ثقافي فعال، وهي تملك الإمكانات لوضع استراتيجية يتفق عليها العالم في هذا المجال، خصوصاً دول الاتحاد الأوروبي.
وفي ورقة ألقيتها في البرلمان الفرنسي، أكدت أن القرن الحادي والعشرين بدأ بحروب شرسة ووحشية، ويبدو أن الحروب مستمرة معنا لعقود طويلة، خصوصاً مع ظهور تنظيمات شديدة العنف مثل «داعش». وعندما سقط جدار برلين، قلنا إن العالم يتوجه نحو السلام ومعالجة مشاكل الفقر في الدول النامية، إلا أننا شيدنا جدران ثقافية أشد صلابة من الجدار الإسمنتي الذي سمي بجدار برلين، إنها الجدران الثقافية العازلة بيننا. والعالم الغربي يشيد باتفاقية التنوع الثقافي، إلا أننا ما زلنا نسوق لثقافة غربية وتُهمَّش الثقافات الأخرى، وكأن الثقافة الغربية تشكل مركز العالم، وعلى الثقافات الأخرى أن تنخرط في هذه الثقافة العالمية. ونحن ندرك أننا كبشر نشترك جميعاً في قيم ثقافية جامعة، إلا أن الخصوصية الثقافية والهويات الوطنية، قضية تم إغفالها أحياناً، ما أدى إلى نشوب نزاعات ثقافية وعودة للاحتقانات الاثنية والطائفية، وهذا ما يجب بحثة والبحث له عن حلول.
إن العالم يعقد المؤتمرات لمحاربة «داعش» التي تمثل أحد أخطر النماذج الوحشية، والعالم يعيش فوضى غير مسبوقة، واعتبرها فوضى مصطنعة لأنها من صنع يد الإنسان، وهي فوضى تعبر عن وحشية ثقافية ألصقت زوراً بالدِّين، والدين منها بريء، وهذا ما يشكل منزلقاً خطيراً قد يندفع نحوه البعض في الغرب على اعتبار أن محاصرة الدين الإسلامي ربما تنقل العالم إلى وضع مستقر، بينما يتناسى هذا البعض أن الإسلام هو دين السلام والتسامح، ويدين به أكثر من مليار ونصف مليار من البشر، وكل هؤلاء يمثل لهم الإسلام هويتهم الثقافية، وأما المتطرفون فهم شرذمة قليلة لا تمثل الدين بأي وجه. ونحن أيضاً لا نريد كيل التهم بالمثل، إلا أن لدينا حقائق تاريخية في العنف والتوحش في الثقافات الأخرى، فالحربان العالميتان الأولى والثانية أدتا إلى مقتل ما يزيد على سبعين مليوناً، والنازية قتلت الملايين، وكذلك ستالين فعل ما فعل ودمر البشرية، فكل هذا لم يقم به العرب أو المسلمون.
إن الحرب الدائرة اليوم ضد تنظيم «داعش» لا تحسم بالقوة وحدها، بل لابد أن ترافق ذلك مقاربة ثقافية وفكرية أشمل، وليس أمامنا إلا أن نعيد التفكير في كيفية مواجهة فكرة «داعش»، وكيف كان لمثل هذه الجماعات المتطرفة المنحرفة أن تغرّر ببعض الشباب، وكيف تمكنت من استقطاب شباب في الغرب أيضاً، فلا حل إلا بتقديم نماذج فكرية تحد من التطرف، وتستأصله من الأساس.
علي الطراح
تعليقات