على وقع أزمة الانهيار الرأسمالى فى اٍسواق المال، أحمد الديين يدعو الليبراليين الجدد إلى التحرر من أوهامهم، ويلمح إلى أن دول الخليج ستدفع فاتورة أزمة الاقتصاد الأميركي

زاوية الكتاب

كتب 601 مشاهدات 0





 
انهيار مقدسات «الليبراليين الجدد» ! 
 
كتب أحمد الديين

 


عندما انهارت التجربة الاشتراكية في الاتحاد السوفياتي السابق وبلدان شرقي أوروبا خرج علينا المنظّر الليبرالي الأميركي من أصل ياباني فرانسيس فوكوياما بنظريته الشهيرة عن نهاية التاريخ، ومؤداها أنّ الرأسمالية قد انتصرت، وأنّ المستقبل محسوم بشكل نهائي للنظام الرأسمالي ولاقتصاد السوق وللحرية الاقتصادية المطلقة... ومع أنّ فوكوياما تراجع لاحقاً عن كثير مما كتبه وادعاه، إلا أنّ نظريته كانت بمثابة «الإنجيل المقدس» لليبراليين الجدد ليس في الولايات المتحدة أو الغرب فحسب، وإنما حتى في بلادنا، ممَنْ يؤمنون بأنّ الدور الاقتصادي للدولة قد انتهى إلى غير رجعة بحيث يجب أن يوقف أي تدخل حكومي في الاقتصاد ليُقتصر دور الدولة على مسائل الأمن والدفاع والسياسة الخارجية، وممَنْ يرددون صباح مساء أنّ خصخصة القطاع العام وتصفيته هي الحل السحري، ويثقون بشكل مطلق بأنّ الأسواق في نهاية الأمر قادرة عندما تواجه أزمات على أن تصحح ذاتها!
ولكن تناقضات النظام الرأسمالي وأزماته المتكررة وخصوصاً أزمته الأخيرة أسقطت مقدسات الليبراليين الجدد، وليس فقط نظرية نهاية التاريخ... فهاهو اقتصاد السوق الحر يتهاوى... وهاهي الدولة تتدخل لإنقاذ اقتصاد السوق الرأسمالي المأزوم في قلعته الكبرى بسبعمئة مليار دولار عبر أكبر عملية تدخل حكومي في الأسواق منذ أزمة الكساد الكبير في نهاية العشرينيات وبداية ثلاثينيات القرن العشرين، وسبقتها عمليتا تدخل من الدولة لدعم شركتين تعملان في المجال العقاري بمبلغ مئتي مليار دولار، وكذلك التدخل لدعم شركة التأمين العامة بمبلغ خمسة وثمانين مليار دولار... وها هو الرئيس بوش يعلن إنّ «أسواق المال لا تعمل كما ينبغي»، ومعه يصرح الرئيس الفرنسي ساركوزي «إنّ فكرة وجود أسواق بصلاحيات مطلقة من دون قيود، ومن دون تدخل الحكومات هي فكرة مجنونة... فكرة أنّ الأسواق دائماً على حق هي فكرة مجنونة»!
بالطبع فإنّ السقوط المدوي لاقتصاد السوق الرأسمالي الحر ومقدساته في الأزمة الأخيرة لم يؤد إلى قيام نظام اقتصادي بديل من خارج النظام الرأسمالي، كما أنّه لم يعد الاعتبار بالضرورة إلى الاشتراكية، ولكنه كشف مدى عمق أزمة النظام الرأسمالي العالمي ومقدار احتدام تناقضاته وخصوصاً تناقضه الرئيسي الكامن بين الطابع الاجتماعي الواسع للإنتاج والشكل الرأسمالي الخاص للملكية، كما أنّه أدى في واقع الحال إلى قيام رأسمالية الدولة المالية الاحتكارية الطفيلية في الولايات المتحدة الأميركية وفق الوصف الدقيق لأحد كبار اليساريين فيها... حيث لم تعد الولايات المتحدة اليوم هي النموذج الناجح والمنتصر لاقتصاد السوق الحر ولقيم الليبرالية،  إذ يكفي أنّها أكبر دولة مدينة في العالم، ومما زاد الطين بلة الحروب، التي شنها المحافظون الجدد، بحيث بلغت كلفة حربي أفغانستان والعراق حتى الآن أكثر من ثمانمئة مليار دولار، هذا ناهيك عن ترسانة القيود على الحريات المدنية والعامة باسم الحرب على الإرهاب بعد 11 سبتمبر، التي أصبحت اليوم موجهة ضد المواطن الأميركي نفسه... وبالتأكيد فإنّ تحوّل الولايات المتحدة الأميركية إلى نظام رأسمالية الدولة المالية الاحتكارية الطفيلية ستكون له تداعياته الخطيرة، ليس في الداخل الأميركي فحسب، وإنما على الصعيد الدولي وهذا هو المهم... ذلك أن تفاقم أزمتها وهي ليست اقتصادية فحسب، قد يدفع بها إلى الإقدام على شن مغامرات جديدة بهدف تصدير أزمتها إلى الخارج، وهذا مبعث الخطر!
وأمام هذا كله، أحسب أنّه حان الوقت لنا في الكويت وفي دول مجلس التعاون الخليجي العائمة فوق حقول النفط لأن نتساءل: ترى ما هي الفواتير المطلوب منا سدادها لتغطية أزمة الاقتصاد الأميركي؟!
أما على الصعيد الداخلي فلعلّ سقوط مقدسات اقتصاد السوق وتهتك محرمات تدخل الدولة في الاقتصاد قد يدفع بعض المنخدعين بأوهام الليبراليين الجدد إلى مراجعة أنفسهم والتحرر من هذه الأوهام... فالخصخصة ليست حلاً سحرياً، والقطاع العام والتخطيط المركزي وتدخل الدولة في الاقتصاد ليست سوءات مطلقة!.

 

عالم اليوم

تعليقات

اكتب تعليقك