لولا المتفائلون لكانت حياتنا أبشع!.. هذا ما يراه صالح الشايجي

زاوية الكتاب

كتب 577 مشاهدات 0


الأنباء

بلا قناع  /  السراب والبريق

صالح الشايجي

 

كثيرا ما نجري في حياتنا وراء بريق كاذب وسراب مخادع.

نلهث في جرينا ونتعب ونجهد، تتعثر خطواتنا ونكبو، وننهض من جديد معللين النفوس بأننا في جرينا ولهاثنا على صواب وأننا نتبع الحق لا الباطل، الحقيقة لا الكذب، الواقع لا الخيال.

ثمّة قصر نراه بعيدا ونسعى في هذا اللهاث كله لبلوغه!

ذلك ما تسميه ثقافة الحياة بالتفاؤل أو الأمل، وجعلت ذينك المسميين في علّيين وفي سمو ورفعة، وجعلت التشاؤم أسفل سافلين.

من لا يرى سرابا أحقّ بالاتباع والجري واللهاث، يسمى متشائما، وهو في الدرك الأسفل من الحياة، ومن يجري وراء البريق المخادع فهو في علّيين من الحياة، ويسمى متفائلا رغم جراح التعثر وآلام السقوط ووجع الخيبة.

تتشكل أنواع هذا السراب وتتلون، ترتدي من أزياء الحياة أجملها وتتحلى بغالي حليّها، والبريق المخادع لا يقل عن أخيه السراب زينة وأناقة وبهاء!

بين التفاؤل والتشاؤم نفتت أيام أعمارنا ونلون سنيها، فإما سواد قاتم مصمت مغلق، وإما بهاء ونور وسرور، ويموت الحي المتفائل بتفاؤله رغم أنه لم يبلغ مبلغه في قطف ثمرة تفاؤله، ولو جاز سؤاله بعد الموت إن كان مازال مقتنعا بتفاؤله، لأجاب: بلى مازلت رغم الإحباط متفائلا، ولو جاز سؤال المتشائم الميت إن كان حصد نتيجة تشاؤمه وعدم جريه وراء ذلك السراب، لأكد ثباته معتدا بالحقيقة الماثلة التي أكدت له صحة موقفه المتشائم.

لا أرى في ذلك غضاضة ولا في ذينك ـ التفاؤل والتشاؤم ـ خطأ سلوكيا عند من اعتنق أحدهما وآمن به، لأن المتفائل يعيش ذلك السراب الذي لم يبلغه ويلمع حياته بذاك البريق الذي يلهث وراءه وكأنه قد تمكن منه، وهذا ما يسمى بمخادعة الذات، ولكنها مخادعة إيجابية لأنها تخلق واقعا افتراضيا جميلا عند صاحبها وتجعله يعيش سعادتها ونعيمها اللذين افترضهما افتراضا ولم يحققهما له الواقع ولم تتصدق بهما الحياة عليه.

لا أراها ضرورية في الحياة أن نتشبث تشبثا كاملا بالواقع الملموس الحي النابض ونصد عن خلق جمالات افتراضية ونعيشها وكأنها من قلب الحقيقة لا من نسج الخيال.

فطوبى للمتفائلين فلولاهم لكانت حياتنا أبشع!

الأنباء

تعليقات

اكتب تعليقك