حياتي يكتب عن الأدب البرلماني
زاوية الكتابكتب يوليو 11, 2007, 9:08 ص 547 مشاهدات 0
جذوة إنسانية
الكلمة الطيبة في الأدب البرلماني السياسي الراقي
من المعروف ان الكويتيين ناضلوا نضالا تاريخياً وفق طبائعهم السلمية الغالبة
من اجل استكمال اساليب الحكم الديمقراطي في الوطن العزيز »الكويت« والمشاركة
السياسية الشعبية بكيفية تلاقت فيها الارادات السياسية للحاكم وممثلي الشعب
الكويتي الكريم على نموذج توفيقي من صيغة الحكم القويم تجلت خير جلاء في
الابتداء عبر الكلمات التاريخية الطيبة المسطورة بكل الصفاء والمودة والمحبة
والتلطف التي شكلت نبراساً في الادب البرلماني السياسي الراقي والتي تبودلت
بين حضرة صاحب السمو المرحوم الشيخ عبد الله السالم الصباح بصفته اميراً
للبلاد وبين المرحوم عبد اللطيف ثنيان الغانم بصفته رئيس المجلس التأسيسي عند
تقديم مشروع الدستور المسطور بخط اليد الى سموه آنذاك في العام 1962 للتصديق
عليه واصداره.
وبهذه المناسبة التاريخية المفصلية قال حضرة صاحب السمو الامير الراحل الشيخ
عبد الله السالم الصباح حرفياً: »ابنائي الاعزاء نحمد الله العلي القدير الذي
اتاح لنا في هذه المرحلة التاريخية من حياة شعبنا العزيز تحقيق امنيتنا في
وضع دستور للبلاد يقوم على اسس ديمقراطية سليمة ويتفق وتقاليدنا ويتجاوب
وآمال أمتنا, ونحن اذ نبارك اليوم هذه الخطوة ونصدر الدستور نشكر لكم جميعاً
ما بذلتم من جهود مخلصة وما اظهرتم من روح الاخوة الصادقة اثناء عملكم. والله
نسأل ان يسدد خطانا ويوفقنا لما فيه الخير والصلاح«.
وقال المرحوم عبد اللطيف ثنيان الغانم بصفته رئيس المجلس التأسيسي: »صاحب
السمو أميرنا المعظم, إنه لشرف كبير لزملائي اعضاء لجنة الدستور ولشخصي ان
نتقدم الى سموكم في هذا اليوم التاريخي نيابة عن المجلس التأسيسي بمشروع
الدستور الذي رأيتم وضعه للبلاد على اساس المبادئ الديمقراطية المستوحاة من
واقع الكويت. وكل رجائنا ان يأتي هذا الدستور محققا لآمالكم الكبيرة لخير
شعبكم الوفي الامين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته«.
وصدر امير دولة الكويت الشيخ المرحوم عبد الله السالم الصباح بعد التوقيع
عليه بخط يده وثيقة دستور دولة الكويت بديباجة رائعة جاء فيها:
بسم الله الرحمن الرحيم
نحن عبد الله السالم الصباح
أمير دولة الكويت
رغبة في استكمال اسباب الحكم الديمقراطي لوطننا العزيز, وايماناً بدور هذا
الوطن في ركب القومية العربية وخدمة السلام العالمي والحضارة الانسانية,
وسعياً نحو مستقبل افضل ينعم فيه الوطن بمزيد من الرفاهية والمكانة الدولية,
ويفيء على المواطنين مزيداً كذلك من الحرية السياسية, والمساواة, والعدالة
الاجتماعية, ويرسي دعائم ما جبلت عليه النفس العربية من اعتزاز بكرامة الفرد,
وحرص على صالح المجموع, وشورى في الحكم مع الحفاظ على وحدة الوطن واستقراره,
وبعد الاطلاع على القانون رقم 1 لسنة 1962 الخاص بالنظام الاساسي للحكم في
فترة الانتقال, وبناء على ما قرره المجلس التأسيسي, صدقنا على هذا الدستور
واصدرناه.
عزيزي القارئ الكريم: مثلما قرأت آنفاً فإنك, لا شك, متتبع ادب الحوار في
الماضي بين المشرعين الاجداد الاوائل والمؤسسين للعمل السياسي المنظم للعلاقة
بين السلطات الدستورية, وتستطيع ان تقارن بين لغة الحوار وتأثيرات الكلمة
الطيبة وسحرها المتراقص في النفوس والتغلغل في الاحداث, آنذاك, وبين لغة
التخاطب المتدنية في الوقت الحاضر بين المشرعين الابناء والاحفاد من استخدام
الزجاجيات في التراشق والتنابز بالالقاب وبالاسم الفسوق البائس والتفوه
بالكلمة الخبيثة والتذكير بالاصول والفصول والاعراق والتصغير والتعبير
والتحقير والتشرذم في شكل كتل كرتونية انتهازية ومواقف شخصية انتفاعية, مع ان
العمل البرلماني السياسي السليم والقويم ينبغي ان يخضع لنظرية النشوء والتطور
نحو الاحسن والارتقاء نحو الذرى بوجوب ان تتغلب فيها المصالح العليا للوطن
العزيز على مصالح »الانا« الفردية الدنيا, وليس للالتفاف نحو الوراء والتحريض
على »تعطيل« المؤسسات الدستورية القائمة وفق برنامج مسبق ومخطط له والنكوص
نحو الاسوأ والتخلف والتكسب الفردي وملء الارصدة البنكية وحشوها بالمال العام
المحرم والتشريع للمصالح الخاصة والانقياد لهمجية البعض من الفوضويين.
ومن المؤكد ان العنف يبدأ بشرارة صغيرة من كلمة خبيثة كبيرة ثم تكبر وتنتشر
كما الوحش الكاسر الموبوء لتدمر كل شيء عندما تتوارى الكلمة الطيبة الكبيرة
الحانية وتنحسر وتترهب وتنزوي في لغة التخاطب المتبادلة بين الافراد
والجماعات وما الاحوال الاخرى للافراد والجماعات ببعيدة عنا عند النظر الى
اليمين والى الشمال.
وارجو الا اكون متشائما في ان هذا الامر الخطير »العنف« بدأ يتسلل بالفعل الى
ثنايا المجتمع الكويتي, الذي صار محكوماً بالسياسة في كل شيء فيما عدا فن
السياسة الرفيعة التي ينبغي ان تمارس في حدود النظم والاخلاق والتربية
الحميدة كما يجب ان تكون بالمقارنة مع ما يتم في المجتمعات الانسانية
المحتضرة. وهذه بدت محسوسة احساساً شديداً في قاعة البرلمان, حيث اضحت كرامات
»البعض« منشورة على حبال الغسيل السياسي في بعض »السيركات« السياسية التي
تلبس ثوب الاستجوابات المؤسسة على النفس الطائفي البغيض, او في تلك
الاستجوابات المدعومة بالصوت العالي وبالصورة الفاضحة الخادشة للذوق العام
وللنظام العام وللآداب ولاخلاق الفرسان في بيت الامة الكويتية الطاهر بعد ان
تم مسه بالترجيس والتدنيس والتقذير تحت سمع وبصر الجميع.
وفي اعتقادي الشخصي ان وراء ذلك اسباباً كثيرة جديرة بالبحث وبالدراسة
والتحليل في الحياة السياسية الكويتية, من بينها على الاخص نوايا وافعال ودور
وسلوكيات »الضبع الامعط«, وعوائه المزعج العالي في الآونة الاخيرة التي تمثل
اجلى صور العنف اللفظي في مبتداها وستنطق بالعنف المادي في منتهاها لو تحقق
المشروع الذي في باله باتباع سياسة الخطوة خطوة سواء بالاصالة او بالوكالة
تجاه هدفه الكبير والمنشود عبر المرور على جثث »اضاحيه« بعد ان طرده الصيادون
المحترفون من القفص الذهبي شر طردة وحرموه مما هو أغلى من فلذة كبده في نظره
المعوج وصار طليقاً بجرح كبير لا يندمل مهما تقادمت عليه الايام, بل يزداد
هذا الجرح ألماً وملوحة وتقرحاً ونزفاً ولكن بغدر اكبر ولؤم اظهر وخسة أمثل,
فابحث عن »الضبع الأمعط«, لان الاحداث ستكسفه وستكشفه وستفضحه وستصفعه في
الحياة السياسية الكويتية.
* نائب ووزير سابق
د. يعقوب محمد حياتي
السياسه
تعليقات