ترميم البعد العربي في أمن الخليج
عربي و دوليهل ضاع إعلان دمشق في أبي موسى أم ساحة التحرير أم ساحة الأمويين ؟
سبتمبر 22, 2008, منتصف الليل 756 مشاهدات 0
إشكالية أمن الخليج العربي ليست وليدة الطموح النووي الإيراني ولا وليدة الإصرار أو الغطرسة الأميركية –كما يقول أهل طهران -لوأد ذلك الطموح في مهده ، بل تعود إلى عوامل يمكن تلخيصها في أن الخليج العربي (هم استراتيجي على كاهل أهله) ،ولم يعرف الخليج العربي الأمن إلا في فترة تاريخية قصيرة 1820 -1971م حيث أجبرت بريطانيا دول الخليج على توقيع اتفاقية السلم العامة بعد تدمير رأس الخيمة والقضاء على سيادة القواسم في الخليج ، حينها فقط عاش الخليج في (عزلة مريحة) تحت الانتداب البريطاني ، حتى احتلت إيران جزر منتصف الخليج ابو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى في منتصف ليلة خروج البريطانيين من شرق السويس في الأول من يناير عام 1971م.
إن الإدراك الذي يعيه منذ البداية كل من يتتبع تشكل أزمة الخليج العربي الرابعة بين جمهورية إيران الإسلامية وبين الغرب هو التردد الخليجي في رفض التحريض الغربي السافر الذي يمارس عليها لاتخاذ موقف سلبي من إيران، هذا الموقف الذي يحذر المراقبون منه قد يتطابق في جانبه الخفي مع الموقف الذي اتخذته دول المجلس ضد إيران في أزمة الخليج الأولى 1980-1988م في زمن المسايرة العمياء للطاغية صدام حسين في الثمانينات من القرن الماضي.
العزلة المريحة حلم لن يتكرر،وقد أدرك الخليجيون ذلك منذ أكثر من عقدين من الزمن فتم الاتفاق على خلق ثلاث دوائر تمثل الصيغ الأمنية التي يمكن تبنيها لحماية دول الخليج العربي، تلك الدوائر هي دائرة الدفاع الخليجي المشترك، ودائرة الدفاع في بعدها العربي، ودائرة الاتفاقيات الأمنية مع الدول الكبرى ذات المصالح في المنطقة .
صغر حجم دول الخليج العربي وقلة عدد سكانها يجعلان الأمن الجماعي الخليجي لا يتعدى أن يكون خيارا استراتيجيا معنويا ، كما أن دائرة الاتفاقيات الأمنية مع الدول الكبرى خيار استراتيجي له تبعات خطيرة لعل ابسطها ما تطرقنا له من ضرورة اتخاذ موقف ضد إيران لا يتماشى ومصلحة دول الخليج العربي في المستقبل المنظور وهي الدول الخليجية الأكبر والأقوى، خصوصا إذا أخذنا في الاعتبار غياب العراق عن الساحة الإقليمية بوصفة الموازن للقوة الإيرانية في المنطقة .
دائرة أمن الخليج في بعدها العربي قام بتهميشها الخليجيون أنفسهم حتى تراجعت إلى مرتبة الدعم الدبلوماسي في المحافل الدولية فقط ، فبعد حرب تحرير الكويت 1991م وبعد نجاح الدبلوماسية الخليجية في إدخال مصر وسوريا في الهم الاستراتيجي الخليجي تم التوقيع في دمشق في 6 مارس 1991م على قيام منظومة أمنية تحت اسم دول إعلان دمشق . وتم وضع مبادئ للتنسيق والتعاون في المجال الاقتصادي والثقافي وفي مجال مؤسسات العمل العربي المشترك و في المجالَين السياسي والأمني حيث جاء في الوثيقة 'تؤكد الأطراف المشاركة احترامها لمبادئ ميثاق جامعة الدول العربية، والتزامها بمعاهدة الدفاع المشترك .وإذ تشير، على وجه الخصوص، إلى المادة التاسعة من ميثاق الجامعة العربية، ترى أن وجود القوات المصرية والسورية على أرض المملكة العربية السعودية، ودول عربية أخرى في منطقة الخليج، تلبية لرغبة حكوماتها، بهدف الدفاع عن أراضيها، يمثل نواة لقوة سلام عربية، تعد لضمان أمن وسلامة الدول العربية في منطقة الخليج، ونموذجاً يحقق ضمان فاعلية النظام الأمني العربي الدفاعي الشامل'.
تحديد البدايات
إن من أصعب الأمور تحديد البدايات، وفي هذا السياق لا نعلم كيف بدأت الخلافات بين الدول الثماني في مشروع دول إعلان دمشق، فهناك من قال برفض كويتي مبكر لمقترحات دول إعلان دمشق للدفاع عن منطقة الخليج وقد أدى هذا إلى قيام مصر وسوريا بسحب قواتهما التي اشتركت في حرب تحرير الكويت من منطقة الخليج. كما ذكر آخرون انه' حدث اختلاف بين دول الخليج من جهة وبين سوريا ومصر من جهة أخرى حول الموقف من تركيا التي تهدد الأمن القومي العربي بتحالفها مع إسرائيل واعتدائها على حصة العراق وسوريا في نهري دجلة والفرات'. كما قيل إن سوريا ومصر كانتا مغاليتين في طلباتهما في فتح باب المساعدات والقروض الخليجية، بالإضافة إلى تشغيل اليد العمالة السورية والمصرية بأعداد رفضتها دول الخليج، وأيضا في الاستقبال الحذر والبارد لهذا الاتفاق من قبل إيران ومن القوى الدولية الكبرى. لكن المؤكد أن دول الخليج كانت تعي أنها مقبلة على تهديدات جادة لا قبل لها بتجاوزها مع دول إعلان دمشق فقط. وفي أول اختبار لمصداقية إعلان دمشق الذي لم يجف مداده بعد قام الرئيس الإيراني علي أكبر هاشمي رفسنجاني في 21سبتمبر 1992م بالإعلان أن إيران بسطت سيطرتها الكاملة على جزيرة أبو موسى بعد أن كانت تسيطر عليها جزئياً منذ عام 1971. ومع غياب دور التجمع في هذه القضية خسر إعلان دمشق مصداقيته القومية الغائبة، وهنا نشير إلى أن العراق قد عرضت على الإمارات إبان الحرب العراقية الإيرانية تحرير جزيرة ابوموسى من تواجد الإيرانيين المحدود في حينه، إلا أن دولة الإمارات رفضت هذا العرض العراقي، بحجة أنها محايدة في موقفها من الحرب.
ترميم البعد العربي
الخلافات بين دمشق والرياض حاليا لا تتعدى الجدل والخلافات العقيمة التي اعتدنا عليها، وهي خلافات مرحلية سيتم تجاوزها بعد انتهاء الفصل المعروض حاليا من فصول الأزمة اللبنانية. كما أن الخليجيين على إدراك بالأثر السلبي لغياب البعد العربي في معادلة أمن الخليج العربي.
ومما يبدوا للمراقبين فإن الطباخ التركي قد نجح حتى الآن في إيقاد النار تحت القدر السورية/الإسرائيلية، ولم تتوقف عملية الطبخ بقدر ما هو انتظار لوصول وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني كرئيس للطهاة و'لا خير من امرأة لشئون الطبخ'-كما يرى معظم الرجال، بالإضافة إلى أن الانجازات التي غيرت وجه إسرائيل تمت في عهد غولدا مائير، فإذا نجحت مفاوضات الصلح السورية الإسرائيلية فسوف تشرع الأبواب لدمشق للعب دور إقليمي اكبر .
كما أن لسوريا رأي مسموع في طهران لتعاضد الأيدي السورية والإيرانية حول العنق اللبنانية، مما يجعل وضعها كدائرة من دوائر الأمن الخليجية أكثر قبولا مما كانت عليه الحالة بعد حرب تحرير الكويت 1991م .
العلاقات المصرية الإيرانية معطلة منذ 1980م ،لكن مصر وإيران لديهما أرضيات مشتركة واسعة للغاية، والدليل على ذلك محاولات الولايات المتحدة المستمرة تأليب مصر و حشد التأييد والدعم منها لعزل إيران تمهيدا لشن هجوم عليها ، ولولا ما حدث مؤخرا بين البلدين على خلفية الفيلم الإيراني الذي يتناول حادثة اغتيال السادات الذي تبعه تصعيد جديد لأزمة العلاقات بين البلدين لكانت سبل التلاقي سالكة ،حيث أن مصر لم تعد تجد ما يمنع إقامة علاقات مع إيران إلا أن تثبت الأخيرة حسن نواياها وجديتها بالعمل لإعادة الأمن والاستقرار إلى العراق خاصة والخليج العربي بصورة عامة .
تكفى نظرة سريعة على التقرير السنوي الذي يصدره المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية بلندن ( IISS) تحت اسم 'الميزان العسكري' لإدراك الوضع التسليحى لدول إعلان دمشق مصر وسوريا في مجالات مثل اقتصاديا الدفاع، البيانات المتوفرة حول طلبات الأسلحة، حجم لقوات المسلحة ثم نوع وعدد قطع لأسلحة إلى الجزم بالتفوق الكمي والنوعي على ايران لو كانت قراءات الأرقام كافية لإعطاء مدلولاتها . فالقدرات القدرات العسكرية لسوريا تتمثل في حجم قوات يصل إلى 295 ألف رجل، وسلاح جو يمتلك 583 طائرة مقاتلة و204 طائرة هيلوكبتر. بينما يبلغ حجم القوات المسلحة المصرية 470 ألف رجل وتملك مصر 489 طائرة مقاتلة 280 طائرة هيلوكبتر. أما جمهورية إيران الإسلامية على كفة الميزان الأخرى فتملك 545 ألف رجل و 319 طائرة مقاتلة و 257 طائرة هيلوكبتر .
دائرة أمن الخليج في بعدها العربي ضرورية في هذا المرحلة كما كانت ضرورية على الدوام. و البحث عن سبب سقوط نظام الأمن الجماعي المسمى 'دول إعلان دمشق ' وهل ضاع في جزيرة أبو موسى، أم في ساحة التحرير أم في ساحة الأمويين ، هو ضياع للوقت. والأجدى هو المبادرة بترميم البعد العربي كدائرة ثانية في أمن الخليج.
تعليقات